أولا: نبذة عن الأمازيغ والأمازيغية
الأمازيغ شغب يسكن شمال إفريقيا ابتداء من واحة سيوة بمصر إلى المحيط
الأطلسي، ومن البحر الأبيض المتوسط إلى نهر النيجر ومالي، إضافة إلى جزر الكناري.
وفي المغرب المتحدثون يشكلون 28 في المائة من السكان، وحسب الدراسات غير الرسمية
60 في المائة من مجموع سكان المغرب البالغ عددهم 30 مليون يعني في حدود 19 مليون
نسمة.
ثانيا: الأمازيغية: قضايا ومواقف.
إحساس الأمازيغ بأن في لغتهم تكمن هويتهم دفعهم إلى اتخاذ عدة خطوات للدفاع
عن هذه اللغة، ويظهر هذا الدفاع في خطابات تنوعت بتنوع الاهتمامات والمجالات التي
ينشط فيها المتحدثون. وفي هذه الورقة سنحاول استجلاء أنواع الخطابات التي احتضنت
المواقف الدفاعية عن اللغة الأمازيغية.
1. الخطاب الحقوقي
ارتكز المدافعون عن اللغة الأمازيغية على مبادئ حقوق الإنسان لترسيخ هذه
اللغة في المنظومة التعليمية بالمغرب والاعتراف بها لغة رسمية للبلاد. ومن هذه
المبادئ التي تتعلق بالتعايش بين الثقافات: "تتساوى جميع الثقافات في الكرامة
والجدارة بالاحترام، واحترام النوع الثقافي بصفته ثروة نفسية للأفراد والجماعات،
والانتفاع العادل من الثقافة والانفتاح على الثقافات الأخرى، إضافة إلى مبدأ
التوازن بين مختلف الثقافات". هذا إضافة إلى إعلان برشلونة العالمي للحقوق
اللغوية للإنسان سنة 1996 الذي يعطي الفرد "الحق في التحدث بلغته الأم
والتمتع بثقافته وتلقينها لذويه في المدرسة والمجتمع وحقه في الولوج إلى الخدمات
العمومية بواسطتها".
بناء على هذه المبادئ أقدم المغرب على إدماج تدريس اللغة الأمازيغية
بالمدرسة المغربية ابتداء من موسم 2003-2004. كما أن دستور يوليو 2011 وفي الفصل
الخامس أعطى اللغة الأمازيغية الرسمية في البلاد.
2. الخطاب السياسي
يرى البعض أن إقصاء الأمازيغية عبر التاريخ لم يكن مجانا، بل كان بهدف
استراتيجي هو إلغاء الأمازيغية من الوجود، وذلك بنهج سياسة تعريب الأنسان والمحيط.
(مصطفى بنعمر. عضو مؤسس للكونكريس العالمي الأمازيغي)
ويرى البعض الآخر أن تدريس الأمازيغية هو من باب الاستهلاك كشعار سياسي ولا
يمكن أن يتحقق في ظل وجود عقلية مسيطرة على المشهد السياسي الوطني.
وهناك فئة ثالثة اعتبرت الإعتراف بالأمازيغية لغة رسمية هو نتاج نضال طويل
قاد النظام إلى التخلي عن الفكرة السائدة بأن الأمازيغية تمثل تهديدا للوحدة
الوطنية وكان على المدافعين عن الأمازيغية أن ينتظروا 1994 ليعلن الراحل الحسن
الثاني في خطاب رسمي تعليم اللغة الأمازيغية في أسلاك التعليم الأولي وإصدار العفو
على جميع المعتقلين الأمازيغ..
3. الخطاب الثقافي ـ الإعلامي
ينادي هذا الخطاب بضرورة خلق مناخ ثقافي يساعد على فتح حوار وطني يجوب جميع
مناطق المغرب تواكبه حملات تحسيسية وإعلامية لتبيان أهمية الأمازيغية كإرث حضاري
كوني ورصيد لا يمكن اإستغناء عنه للمخيال الجماعي للمغاربة كافة، والعمل على تغيير
الذهنيات التي تنظر إلى الأمازيغية بنوع من النفور.
4. الخطاب البيداغوجي ـ التربوي
يرى هذا الخطاب بأن الأرضية الصلبة التي يتطلبها تدريس اللغة الأمازيغية
غير متوفرة مما ساهم في إحباط العزائم والنظر إلى مسألة تدريس الأمازيغية نظرة
تشاؤمية. ويستعرض هذا الخطاب مجموعة من المثبطات منها:
* الارتجالية في التخطيط والتنفيذ
* عدم وضوح سياسة حقيقية
* صعوبات تقنية وتنظيمية.
* ضعف تكوين الأساتذة
* محتوى الكتاب المدرس لا يستجيب للحضارة والتاريخ الأمازيغي
* عدم أصالة المنهاج باعتباره نسخة مبتذلة لمنهجية تدريس اللغة الأمازيغية.
5. الخطاب الاقتصادي
الاعتمادات المادية المخصصة لتعليم اللغة الأمازيغية غير كافية ولا تسهم في
تطويرها وبالتالي صعوبة تحقيق مشروع تدريس اللغة المازيغية.
ثالثا: اسؤال المطروح على الأمازيغية
ما هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على اللغة الأمازيغية فيما يتعلق بطموحها
للتوسع والانتشار؟ هل توفرت الشروط الذاتية والموضوعية لكي تنتشر وتتوسع؟
للإجابة على هذا السؤال سنحاول أن نستعرض العوامل التي تساهم في انتشار لغة
ما؟ وما مدى استجابة اللغة الأمازيغية لهذه الشروط؟
من خلال الدراسات والأبحاث التي قاربت ظاهرة انتشار اللغات وامتدادها
وهيمنتها على لهجات ولغات الشعوب الأخرى إلى عوامل كثيرة تتفاوت من حيث أهميتها،
ولكنها في آخر المطاف تعمل مجتمعة لكي تدفع بلغة ما إلى الانتشار وحتى العالمية.
ومن هذه العوامل:
1. العامل البشري: فالكثافة البشرية في منطقة ما تضمن للغة قوة
وفعالية ومن تم الانتشار.
2. العامل السياسي: فالأمم التي تتغلب عسكريا على الأمم الأخرى تفرض
عليها تعلم لغتها.
3. العامل الديني: يلعب الدين دورا أساسيا في انتشار اللغات كما هو الحال بالنسبة للدين
افسلامي الذي رافق غزوات المسلمين فاضطرت الأمم التي خضعت للمسلمين إلى تعلم اللغة
العربية. وهو ما حصل للغة اللاثينية التي تحولت إلى لغة دولية في جميع أنحاء
الإمبراطورية الرومانية لحمولتها الكهنوتية الكاثوليكية الرومانية رغم زوال الإمبراطورية
الرومانية .
4. العامل الثقافي والحضاري: تفوق الإرث الحضاري والثقافي في لغة ما يدفع بالشعوب
الأخرى للإقبال على تعلم هذه اللغة وتعلمها.
5. العامل الاقتصادي: قوة اقتصاد مجموعة بشرية ما يفرض تعلم لغتها واستعمالها في العلاقات
التجارية وتبادل البضائع. كما أن التنافس في المجال الصناعي أدى إلى انفجار
التسويق والإعلام الدولي فوجدت كثير من اللغات نفسها خارج اللعبة.
6. العامل الشخصي: يجد بعض الأفراد أنفسهم مضطرين لتعلم لغة غير لغتهم لأنها تمكنهم من
الوصول إلى وظائف رفيعة.
7. العامل اللغوي: وهي عوامل ترجع إلى اللغة في حد ذاتها كغياب نزعة الأنانية التي تدفع
باللغة إلى أن تعتبرنفسها لغة نقية وبالتالي لا تقبل أن تدخلها مفردات لغات أخرى.
إضافة إلى الخواص التركيبية والجمالية للغة ومرونتها وقابليتها للإنفتاح.
8. العامل التكنولوجي: ويتمثل في مدى انخراط وحضور لغة ما في الفضاء الإعلامي
المرئي والسمعي والإلكتروني.
خاتمة:
يبدو لي شخصيا أن تقييم واقع اللغة الأمازيغية سابق لأوانه، فالأولوية تبقى
للعمل والتفكير في الوسائل الناجعة لكي تجد هذه اللغة المكانة التي تستحقها بين
لغات العالم، وهذا يتطلب جهدا يمتد على عشرات السنين أمام غياب العوامل الفاعلة في
نشرها وانتشارها.
...............................................................................
المصطفى فرحات
ابزو: أبريل 2015.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.