يعتبر صوف الكبش ـ كما هو الحال بالنسبة لقرون الكبش ـ مادة أولية للحصول على "السّمخ" الذي لا تحتاجه الكتابة السمخية، بشرط أن لا يكون الصوف نظيفا ونقيا وشديد البياض.. الشوائب العالقة به تسهل إحراق الصوف وتعطي سَمخا بلون بُنّي غامق مائل للسواد.
إذا كانت لقرون الكبش التي يصنع منها "السّمخ" كل تلك الرمزية العجيبة والغنية التي تحدثنا عنها سابقا، فإن صوف الكبش لا يقل عنها أهمية في بعده الرمزي والطقوسي..
يظهر الصوف في العقيدة الإسلامية كأحد العناصر الرمزية الكبيرة في علاقة الإنسان بالله.. ولهذه العلاقة درجات ومراتب تتدرج بحسب قوة ومثانة هذه العلاقة، نجد المؤمن، والمستعين والمصلي، والعابد، والزاهد، والمتصوف... وفي التصوف تتجسد أرقى درجات التوحد بالذات الإلهية، وللصوف ينسب المتصوفة، رجال الله الذين تميزوا بلبْسهم للصوف الخشن الذي يشكل علامة تميز العارف والزاهد.
يعتمد المتصوفة في تحصيلهم للحقيقة على القلب والوجدان والحدس. المعرفة لديهم تتجه نحو الباطن، وارتضوا حياة التقشف والكفاف... ودوَّن المتصوفة أدبهم شعرا ونثرا ب "السّمخ" المصنوع من الصوف الذي ارتضوه لباسا لهم.
كثيرة هي العادات والتقاليد التي ارتبطت بمادة صوف الكبش. يقول هيرودت: في شمال إفريقيا، عندما يبلغ الأطفال سن الرابعة، يحرقون أوردة في مقدمة رؤوسهم بصوف الأغنام. البعض يقوم بهذا الطقس حول المعابد.
عند الأمازيغ، وفي موسم "تالوسة" (جز صوف الغنم) تنصب الخيام، تقام الأفراح ويستقبل الضيوف، وتذبح الذبائح، وتردد الأهازيج الأمازيغية طيلة اليوم...
ويستعمل صوف كبش العيد في الشعودة والسحر لترويض الزوج، وأشياء أخرى، فينصح الفقيه المشعوذ بتبخير المنزل بالصوف...
ويبقى أهم ما يقدمه لنا صوف الخروف هو "السّمخ" الذي لولاه لضاعت المعرفة التي دونها الكتاب السمخيون بدم صوف الكبش.
أما الخطوات التي يتبعها الحرفيون في صناعة "السّمخ" من صوف الكبش فتبدأ بزج كمية معتبرة من الصوف الوسخ، بعدها يوضع في إناء به ماء، يغلق الإناء بإحكام، ويتم وضع حجر على الغطاء لإغلاق جميع المنافذ تفاديا لتسرب النار داخل الإناء الذي وضع فيه صوف الكيش... فإذا تمكنت النار من اختراق الإناء فإنها تحرق الصوف ويصبح رمادا، ولا ينفع في صناعة "السّمخ".
الحرق هو السر في استخلاص السمخ، لا حرق إذا لا "سمخ". الكناب السمخيون الذي نجحوا في الكتابة وتفوقوا على أقرانهم هم على دراية بهذا السر المخفي في "السّمخ"، فمن يحرق دماغه ينجح، ومن يكتفي بحرق أعصابه يفشل.
وسواء صنع "السّمخ" من قرن الكبش، أو من صوف الكَبش فلا مشكلة في استعمال الكتاب السمخيين له في الكتابة مهما كان جنس ونوع المكتوب، أما إذا صُنع "السّمخ" من صوف النعجة أو الشاة فتضاربت الآراء حول جواز أو منع بل تحريم استعماله، وجادل الكتاب السّمخيون في أهليته ومشروعيته في الكتابة السّمخية.. وهذا هو جوهر موضوعنا القادم..
ملحوظة: لا ينفع صوف الماعز أو وبر الجمل أو ريش الطيور.. في صناعة "السّمخ".
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.