* فن المسرح بين الخصوصية والشمولية:
كلمة "مسرح" في اللغة العربية مشتقة من فعب "سرح" أي رعى الماشية، وتعني المرعى أو فناء الدار، وأيضا مكان الترويح عن النفس+ وفي كلا الحالتين يفهم منها في الأصل اللغوي مكان الترويح.
أما عالميا فالكثير من اللغات تشتق تسمية هذا الفن من كلمة "ثياترون" ( Theatron ) اليونانية التي تعني ما يرى. كما أن هناك تعبيرا آخر يدل على المسرح وهو الفن الدرامي ( L’art dramatique) الذي توسع مفهومه لأن يشتمل فنون التمثيل بصفة عامة من مسرح، وسينما، وتلفزيون. وتعود كلمة "دراما" (Drama) اليونانية التي تعني "الفعل" (action). ويقصد بالفعل هي التي تشكل مادة المسرح التي يستقيها من الحياة عن طريق المحاكاة (Mimesis) لكي يقدمها على الخشبة. المسرح إذن كغيره من الفنون يحاكي الحياة، لكن ما يميزه بالضبط هو محاكاة الأفعال البشرية المدفوعة برغبات محددة، تتعارض فيما بينها لكي يتولد الصراع الدرامي.
وبالجمع إذن بين كلمتي "ثياترون" و"دراما" اليونانيتين يمكننا اكتشاف جوهر المسرح، وخصوصيته: "فهو فن تشخيصي يقوم على محاكاة الأفعال البشرية بالصوت والحركة، وباستخدام الجسد الإنساني كمادة أولية ومحورية للتعبير، وما يرتبط به من إشارات دالة على الزمان والمكان أمام جمهور حاضر".
والمسرح فن تشخيصي لأنه من فصيلة الفنون المبنية على محاكاة الواقع كالأدب والفنون التشكيلية والأوبرا والسينما، والتي بإمكانها أن تجسد الوجود والطبيعة وجودا فنيا، بخلاف تلك المبنية على تعبيرات تجريدية كالموسيقى والرقص (الباليه).
غير أن المسرح لا يرتبط فقط بالفنون التشكيلية، بل وبالمجردة أيضا. ويعود السبب في ذلك إلى كونه فنا زمكانيا، أي أنه يستعمل الصوت والكلمة اللتين تدركهما الأذن كالموسيقى والأدب والغناء في مدة زمنية محددة. كما يستعمل الصور الثابتة التي تدركها العين في مكان محددة (خشبة المسرح) من خلال عناصر الديكور والملابس والمؤثرات المرئية. كل هذا يجعل من فن المسرح فنا شاملا ومركبا ولغة متعددة المستويات
* المسرح: فن شامل:
وجد المسرح لكي يرى ويُسمع، والنص المسرحي ليس إلا جزءا من كل، هو العرض المسرحي المتكامل. النص المسرحي المقروء يمكن أن يمنح لوحده لذة. لكن هذه اللذة رهينة بمدى قدرة القارئ على تخيل العالم الدرامي المتعدد اللغات والمستويات. "ففي المسرح كل شيء لغة" كما يقول الكاتب المسرحي يوجين يونيسكو. والمقصود باللغة هنا ليس ما ينطق فقط، بل كل إشارة (حركة، إيماءات، صوت، لون، شكل) له دلالة معينة. ومهما تعددت إشارات المسرح، فهي تدخل بالضرورة في صنفين أساسيين: إشارات مسموعة وأخرى مرئية.
* الإشارات المسموعة:
والمقصود بها كل الإشارات التي نسمعها في العرض المسرحي كالكلمة، التي تشكل المادة الأولية للحوار المسرحي الذي أبدعه المؤلف، ثم النبرة التي ينطق بها الممثل الكلمات ليمنحها معنى محددا ودقيقا، فضلا على أصوات غير لفظية كالآهات والصراخ والبكاء...إلخ. وأخرى آلية كالموسيقى، والمؤثرات الصوتية التي تحتاجها بعض المشاهد للدلالة على المكان شاو الزمان شاو المناخ..(زقزقة العصافير، دقات الساعات..صوت المطر..)
* الإشارات المرئية:
هي كل ما تتلقاه عين المتفرج في العرض المسرحي من إشارات، كالديكور الذي يرسم معالم الفضاء الذي يتحرك فيه الممثلون (منزل، حديقة، ساحة...إلخ) وما يرتبط به من ملاحق كالأثاث والستائر والأبواب...والإضاءة التي تنير فضاء اللعب، والملابس التي يرتديها الممثلون، والملحقات (الأكسسوارات) والماكياج، والإيماءات، والحركات، والتموضعات. ويبقى المسرح فنا جماعيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.