التراث الديني لأمريكا الوسط
- 01 –
" أنا أعتقد أن واجب كل مثقف رجلا كان أو امرأة، أن يقرأ كتب العالم
المقدسة بود وتعاطف. وإذا نحن احترمنا أديان الآخرين كما نريد منهم أن يحترموا
ديننا، فإن دراسة ودودة لديانات العالم واجب مقدس".
الماهتما غاندي
تقديم:
أمريكا الوسطى تسمية تطلق على المناطق الواقعة بين الأمريكيتين الشمالية
والجنوبية وتشمل الطرف الجنوبي من أمريكا الشمالية من أواسط المكسيك تقريبا إلى الهندوراس جنوبا. ومن
المعتقد أن جماعات من القنّاصين الجامعين الذين يجمعون عذائهم من الطبيعة، هاجروا
إلى أمريكا قبل 30.000 سنة قبل الميلاد عبر مضيق بيرنغ عندما كان ممرا يربط بين
سيبيريا والألسكا. ثم وصلوا في زحفهم
جنوبا إلى حوض المكسيك قبل 20.000 سنة قبل الميلاد.
يقسم العلماء تاريخ أمريكا الوسطى الثقافي إلى ثلاث فترات على الأقل هي:
أولا: فترة التكوين أو ما قبل الفترة الكلاسيكية (نحو 2000 ق.م. ـ 250 م.)
ثانيا: الفترة الكلاسيكية التقليدية (نحو 250-900م.)
ثالثا: فترة ما بعد الكلاسيكية (900-1251م.)
ويتفق معظم العلماء على أن ثقافة أمريكا الوسطى الرفيعة نشأت مستقلة بمعزل
عن نمو الثقافات وتطور الحضارات في أجزاء العالم الأخرى.
الأولْمَكْ: آباء حضارة أمريكا الوسطى:
شهدت فترة التكوين في أمريكا الوسطى مولد حضارة متقدمة قامت على تشييد
مراكز وأمكنة الطقوس والاحتفالات وظهور كتابات هيروغليفية وصياغة نظم معقدة لحساب
الزمن والتأريخ علاوة على شؤون مثيرة أخرى.
يتفق العلماء عموما على أن الأولمك طوروا نظاما مصنفا من الرموز والتعابير
الرمزية الدينية، ما يعني أن الأيقونات أو التصاوير التي تمثل آلهة معينة .
وعلى الرغم من وعي العلماء بوجود فن أيقنة عند الأولمك وإدراكهم له، فإن
الصور التي تمثلها تلك الأيقنة بحد ذاتها تفتح المجال أمام تفسيرات متضاربة.
فالأشكال الطبيعية في تلك الصور قد يوحي بألوهية حلولية دنيوية (موجودة ضمن العالم
الطبيعي) وعلوية (فائقة وراء العالم الطبيعي) في آن معا. فمن جهة، السمو العلوي
توجيه إلى الحد الذي تتمثل فيه الأشكال الحيوانية المهجنة التي لا وجود لها. ومن
الجهة الأخرى فإن الحلول يعبّر عنه من خلال إعادة تركيب الأشكال الطبيعية التي هي
الأدوات التي تتجسد وتظهر من خلالها الآلهة.
توتيهواكان :(Teotihuacan) المكان الذي
وُلدت فيه الآلهة
في الفترة الكلاسيكية (250 – 900.م)إذ شهدت تلك الفترة نشوء مدن كبيرة ذات
هياكل وأنظمة سياسية معقدة، وكثيرا ما ضمّت تلك المدن معابد بنيت على شكل أهرام
ضخمة، ومراكز احتفالية كانت تسن فيها الشرائع وتصاغ النصوص الدينية ثم تعلن على
الملأ. ومن أشهر المباني في توتيهواكان وتعني المكان الذي تولد فيه الآلهة، كان
هرم الشمس وهرم القمر وهرم كويتز الكوتل الأفعى ذات الريش.
المايا الكلاسيكية
مع أن حضارة المايا كانت قائمة قبل ألفي سنة، فقد بلغت ذروة انتعاشها
وإبداعها في الفترة الكلاسيكية نحو (250 ـ 900 م.). من الناحية الجغرافية، انتشرت
هذه الحضارة في المنطقة التي تشمل اليوم كلاّ من غواتيمالا وشبه جزيرة يوكاتان
(حيث لا يزال المايا الأصليون يعيشون هناك حتى اليوم).
عثر العلماء على مخطوطات أصلية بكتابة المايا الهيروغليفية (تعرف حاليا
بمخطوطة دريسدن ومخطوطة مدريد، ومخطوطة باريس ومخطوطة غرولير). ومن بين العناصر
التي يحتويها كتاب المجمع (الذي يعتبر أيضا كتاب الخليقة) أسطورة المايا الخاصة
بالخلق. وتبدأ قصة الخلق عند المايا، كما في كثير من الديانات الأخرى، بظلام هيولي
لا شكل ولا هيئة له يتألف من بحر وسماء،
وتتولى الآلهة عملية الخلق من خلال أفكارها وكلماتها، وقيل إنه كلما خُلقت أشياء
انتقلت من عتمة الظل إلى النور. والجدير بالذكر أن خلق الكائنات البشرية ذو أهمية
خاصة عند الآلهة.
يُقدّم ذرّ بذور الكون وبزوغ فجره مثالا نموذجيا لكل ما تلى من خلق وابتكار
وتغيير. ففي أساطير المايا أن البذور تبذر في الأرض كي تطلع نباتات. والأجرام
السماوية تبذر تحت الأرض ليشرق فجرها في ظهورها، والبشر يبذرون في أرحام الأمهات
ليطلع فجرهم في الحياة، ويبذر الموتى في العالم السفلي كي يشرقوا ومضات من النور
في الظلام (أي النجوم).
الأزتك: مؤسسو تنوكتيتلان
نشأت مدينة تنوكتيتلان
في نحو عام 1325 م. ويعرف مؤسسوها الآن بالأزتك، رغم أن تسميتهم الأصح هي المكسيكا. واسم الأزتك مشتق من كلمة "أزتلان" اسم المكان
الأصلي الذي جاء منه المكسيكا (معناه "مالك الحزين" أو
"البلشون"
بنى ألزتك في تنوكتيتلان مبنى هويتيوكالي
أي "بيت الإله الكبير" الذي يعرف
بالمعبد الأكبر. ويتألف المعبد الأكبر من هرم مزدوج يمثل مركز الكون. وبني على كل
من قمتي الهرم مزار مقدس يمكن الوصول إليهما بدرجين منفصلين بنيا على سفح الهرم.
وقد خصص المكان المقدس الشمالي لهويتزيلوبوكتلي
(إله الشمس وإله الحرب) وخصص المعبد الجنوبي لتلالوك
(إله المطر والخصوبة). وتعتبر الازدواجية التي يجسدها المعبد الأكبر عن الاعتقاد
الشائع المتأصل في أمريكا الوسطى بأن الازدواجية، أو الثنوية موجودة في كل شيء.
إن الآلهة كلهم بالنسبة للمعتقد الديني الشعبي هم أبناء أوميتيوتل، غير أن النصوص
المكتوبة بلغة الناهواتل (من
لغات الأزدك) والمخطوطات القديمة تكشف أيضا عن أن التيتيو
(الآلهة) الذين يظهرون في تفكير العلماء خنثويين جزئيا أو كليا أحيانا (لهم أعضاء
الذكورة والأنوثة) يعتبرون منصفين كغيرهم من ظهورات الإله الثنوي الأسمى. أليست
الحقيقة النهائية هي أمنا وأبانا، التي تهب الحياة في كل مكان وفي كل زمان، وهي في
الواقع شكل جميل من أشكال مقاربة السر الغامض ـ ذلك السر الكامن وراء الريح
والليل؟
غير أن المأساة التي تدعو للأسف الشديد هي أن الأشكال التي تناول بها الأزتك السر الغامض بما فيها
من رمزية كلها تحطمت بوصول الغزاة الإسبان الفاتحين في 8 نوفمبر 1519م.
....................................................................................................................
* تراثنا
الروحي. مايكل درافيس وجيمس مادييو ومايكل روسو. ص 178-196. (بتصرف). (يتبع)...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.