الديانة اليانية (أو الجانيّة)
- 02 –
" أنا أعتقد أن واجب كل مثقف رجلا كان أو امرأة، أن يقرأ كتب العالم
المقدسة بود وتعاطف. وإذا نحن احترمنا أديان الآخرين كما نريد منهم أن يحترموا
ديننا، فإن دراسة ودودة لديانات العالم واجب مقدس".
الماهتما غاندي
كارما وأوهام التقمص
تشترك الديانات التي ظهرت أصلا في الهند كلها تقريبا في الإيمان ب
"كارما". ويفهم من كارما عموما على أنه القانون الخلقي للفعل ورد الفعل.
ويأمر قانون كارما بأن تؤدي أفكار الفرد وأعماله إما إلى حبس الروح في دورة
الولادة والموت والولادة من جديد (المعروفة بسامسارا)
أو تقود الروح إلى التحرر من سامسارا (أي إلى موكشا)
والتخلص من كل بؤسها وأوهامها وظلالها.
أما بالنسبة لقانون كارما فهناك طبقا ل"سوترا" (كتاب يان سوترا المقدس) ثمانية أنواع هي:
1. كارما (الفعل) الذي يحجب المعرفة الصحيحة.
2. كارما الذي يمنع الإيمان الصحيح.
3. كارما الذي يؤذي إلى اختيار المتعة والألم.
4. كارما الذي يقود إلى الضلال.
5. كارما الذي يحدد طول الحياة (التقمص).
6. كارما الذي يحدد اسم أو فردية الروح المتجسدة.
7. كارما الذي يحدد "غوترا" الروح (سلف العائلة).
8. كارما الذي يمنع الروح من دخول سبيل النعيم الأزلي.
الكون الذي لم يخلق
تقول النظرة اليانية إلى العالم بأن العالم يتألف من أرواح حية وذرات او
جزئيات مادية غير حية (جيفا jiva و أجيفا ajiva). وتوحي بأن هذه
الكائنات كلها غير مخلوقة. ولذا فإن اليانيين يعتقدون بأنه لم يكن هناك خلق
ابتدائي: أي إنه على الرغم من أن الذرات قد تكون كتلا جديدة، والأرواح ربما تنال
التحرر من "سامسارا"، فإن كل شيء كان موجودا دائما ولم يخلق جديدا أبدا.
وبما أنه لم يكن هناك خلق، فليس هناك من خالق. وتختلف اليانية عن الديانات الأخرى
المولودة في الهند من حيث أنه لا تفترض وجود كائن أعلى كامن وراء العملية الدورية
(يوغات)، فلا يوجد "جيفا" أسمى، وإنما توجد "جيفات" عديدة لا
نهاية لها، كل منه مقدس وينجّل. ولهذا السبب يتمسك اليانيون بشدة بواحدو من
الممارسات الرئيسية في دينهم وهي "أهيمسا" (التي تترجم عادة بعدم
العنف).
ممارسة الديانة اليانية
أهيمسا: عدم العنف وإجلال كل الكائنات الحية
تتفق العقيدة اليانية القائلة بأن كل كائن حي فيه روح كائن مقدس مع مبدأ
"أهيمسا" التي تحض تعاليمها على وجوب التخلص من العنف ما أمكن، رغم
استحالة تجنب بعض أعمال العنف. وتدعو الطريقة اليانية كل ممارس وممارسة للديانة
اليانية إلى وجوب تغيير العقل وتنقيته لإزالة كل الأفكار الضارة المؤذية والطبائع
الباطنية (كالرغبة والثأر والغيرة). وبالتحكم في الكلام بدقة وحصافة (بتجنب الكذب
والإساءة الكلامية) كي لا يكون في الكلام أي عنف. ويجب أن تقترن الأقوال غير
العنيفة بالأفعال اللاعنفية كي تكون أساسا لحياة شفوقة عطوفة. ولذا يلتزم اليانيون
بنمط غذائي متشدد يقتصر على النباتات. فهم يعتبرون قتل الحيوانات وأكلها ضربا من
العنف يستهين بالقدسية المتأصلة في الكائنات الأخرى.
كي تفيد الديانة اليانية من مبدأ "أهميسا" أوجدت قانونا أخلاقيا
شاملا وإرشادات معنوية. ويصنف القانون العنف في أربع فئات:
1. العرضية (أو غير المقصودة تندرج في هذه
الفئة الإصابات التي تلحق بالكائنات الصغرى نتيجة نشاطات كالطهو والمشي
والاستحمام.
2. المهنية. تشمل أعمالا كقتل الجندي للعدو في
المعركة، أو عمل مزارع يفلح الأرض.
3. الوقائية الدفاعية. تضم أفعال الدفاع عن
النفس.
4. المقصودة (أو المتعمدة). فيها أبغض أشكال
العنف وهو القتل المتعمد للكائنات الحية الأخرى.
جاء في أكارانغاسوترا 4. 25 -26 مايلي:
يجب على
المرء أن لا يخرج (يؤذي) أو يُخضع أو يستعبد أو يقتل أي حيوان أو كائن حي أو كائن
محس. إن مبدأ العنف هذا نقي معصوم ثابت أبدي. فكما أن العذاب مؤلم لك كذلك هو مؤلم
ومزعج ومروّع لكل الحيوانات والكائنات الحية.
الجواهر الثلاث والعهود (النذور) الخمسة
تقول تاتفارثا سوترا إن الإيمان الصحيح والمعرفة الصحيحة والسلوك الصحيح،
وهي الجواهر الثلاث ـ هي السبيل إلى التحرر. فالإيمان الصحيح هو الإيمان بتعاليم
التيرثانكارات الأربعة والعشرين (Tirthankaras) صانعي الجداول،
المعلمين الروحانيين من أمثال ماهافيرا. والمعرفة الصحيحة هي فهم تعاليمهم.
والسلوك الصحيح هو ترجمة تعاليمهم وتحويلها إلى ممارسة فعلية.
وممارسة التعاليم اليانية تتطلب الالتزام بالعهود (النذور) الخمسة اقتداء
بماهافيرا في "الاعتزال الأكبر". فعند اليانيين خمسة أوقات يعتبرونها
ميمونة ومباركة وهي: الحمل والولادة والإعتزال (الزهد) والتّنور والتحرر (الموت).
وقد وقع الحدث الرئيسي عندما تعهد ماهافيرا ونذر بأن يلزم نفسه بالعهود الخمسة
وهي: عدم العنف (أهيمسا)، حياة خالية من السرقة (أستيا)، والامتناع عن الجنس (براهماكاريا)،
وعدم الارتباط أوالتملك أو الاقتناء (أباريغراها).
ويتلخص الدافع الذي حدا بمهافيرا كي يلزم نفسه بالعهد الخامس الأخير في المقطع
التالي من الأوتارادهايانا إذ يقول:
"الشقاء يتوقف عند غياب الوهم المضلل، والوهم المضلل يتوقف عند غياب الرغبة.
(الشهوة)، والرغبة تتوقف عند غياب الجشع. والجشع يتوقف عند غياب الممتلكات".
طقس الصيام
تشدد الديانة اليانية على ضبط النفس والتهذيب الروحاني بالصيام، بينما لا
تشجع الديانة البودية عليه، في حين يرى اليانيون أن الصيام متمم للنقاء والتطهر
الروحاني، ولذا كثيرا ما يمتنعون عن الأكل وشرب الماء. ومهمة طقس الصيام هي تخفيف
ارتباط الروح وتعلقها بالجسد. ويبالغ البعض في الصيام حتى الموت. أما حالات الصيام
المسموح به حتى الموت المسماة "ساليكهانا" (Sallekhana) فهي أربع حالات:
1. أوبسارغا (Upsarga) كارثة لا مفر منها
(مثل الوقوع في الأسر عند عدو ). استحالة الالتزام بالعهود.
2. دوربيكسا (Durbhiksan)مجاعة كبرى لا يتاح فيها الحصول على طعا
3. جارا (Jara)
الشيخوخة
التي يحددها البدء بالإصابة بالعمى أو عدم القدرة على المشي بدون مساعدة، أو
الخرف..
4. نيبراتيكارا روجا (Nihpratikara
ruja) مرض مهلك، والموت منه وشيك. وبما
أن موت الجسد قضاء محتوم فاليانيون لا يخافونه، بل ابتكروا أساليب روحانية
يستخدمونها في أحوال معينة لتيسير عملية الموت روحانيا.
.......................................................................................................................
* تراثنا
الروحي. مايكل درافيس وجيمس مادييو ومايكل روسو. ص/ 283- 289. (بتصرف..)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.