- 03 -
تقاليد الحرب العادلة
(القضية العادلة ـ النية الحسنة ـ الملاذ
الأخير ـ معايير التناسب..)
1. القضية العادلة
في الوقت الذي جرى فيه إحياء تقليد الحرب العادلة في
النصف الثاني من القرن العشرين جادل بعض المعلقين بأن شرط القضية العادلة له قيمة
شكلية أكثر منها جوهرية. وقد عكس ذلك ـ في جزء منه ـ المشكلة التي شغلت الكثير من
الحقوقيين في العصور الوسطى حول ما كان يطلق عليه "العدالة المزعومة
المتزامنة" (Smultaneous ostensible justice) : إذا ما ادعى كل طرف
أن العدالة في صفه، فكيف يمكننا أن نقرر أين تقع العدالة؟ ويتعلق الأمر بموضوع
صعب، فحتى خلال الحرب العالمية الثانية أصيب جنود الحلفاء ـ الذين كانوا يحاربون
ما اعتقدوا أنه حرب عادلة بديهة ـ بالدهشة
لدى اكتشافهم أن الألمان الذين كانوا يحاربون اعتقدوا أيضا أن الحق إلى جانبهم...
فما الذي يشكل قضية عادلة؟
إن الحرب هي لحظة مهمة لا يمكن الانجراف إليها لأسباب
غير ملائمة.."القضية الوحيدة العادلة لشن حرب تتمثل في أن الضرر قد وقع
بالفعل" أي الحروب الدفاعية. كما نظر إلى العمل العسكري دفاعا عن الدول
باعتباره العمل الوحيد المشروع، وساد نموذج الدفاع عن النفس وبلغ ذروته في ميثاق
الأمم المتحدة العام 1945. حرم ميثاق الأمم المتحدة التهديد باستخدام القوة في
العلاقات الدولية مع السماح فقط باستثناءين: اعترفت المادة (51) "بالحق
الأصيل في الدفاع الفردي والجماعي عن النفس في حالة وقوع أي اعتداء عسكري".
والفصل السابع من الميثاق الذي يسمح بالقيام بعمل عسكري يخوله مجلس الأمن كرد على
"أي تهديد للسلام، أو خرق للسلام أو عمل من أعمال العدوان".
مع هيمنة الحرب الباردة على أوروبا حاملة معها المخاوف
من أن يتصاعد أي صراع تقليدي إلى المستوى النووي، ساد تفسير مقيد للحرب العادلة
بين المعلقين، فقد تعرض اعتبار الدفاع عن النفس قضية عادلة لشن الحرب أخيرا
للهجوم.
2. النية الحسنة
ليس كافيا أن تكون هناك قضية عادلة، بل إن العمل العسكري
يجب أن ينفذ بطريقة تخدم تلك القضية، فتقليد الحر العادلة تشكل من خبرات إدارة
شؤون الدول عبر قرون ويتبنى بقوة نظرة واقعية للطبيعة البشرية، فهو يسعى للحيلولة
بين الإغراء الذي قد يسيطر على رجل سياسة للدخول في حرب عادلة في حين يضمر في واقع
الأمر نوايا أخرى.وأكد "توماس الأكويني" على أهمية النية الحسنة حين
أوضح باشمئزاز : "حتى لو أُعلنت حرب من قبل سلطة شرعية لمصلحة قضية عادلة
فإنه يمكن أن تصبح هذه الحرب غير مشروعة بسبب زجزد نية شريرة".
3. الملاذ الأخير
يتضمن الشرط الخاص بأن يكون اللجوء إلى الحرب هي الملاذ
الأخير اعترافا بالمعاناة الضخمة التي يمكن أن تنجم عنها. ومع ذلك فإن الأمر لا
يتعلق بضرورة الالتزام بتسلل زمني بما يعنيه ذلك من ضرورة استنفاد كل الوسائل
الأخرى قبل اللجوء إلى القوة. حيث إن مثل هذا التأخير قد يكون سببا في كارثة
عسكرية. بل إن الاستخدام المبكر للقوة في بعض الحالات قد يمكّن من تحقيق الهدف
بأقل قدر من الضرر.
4. المعيار الأول للتناسب
يتمثل أحد الملامح الرئيسية في تعاليم الحرب العادلة في
أن القضية، أيا كانت درجة عدالتها، لا تبرر اللجوء إلى الحرب إلا إذا كان من
المتوقع بشكل معقول أن الضرر الذي سينجم عنها لن يفوق المصلحة المستهدف تحقيقها.
تعرض هذا المعيار للنقد من جراء الصعوبة الواضحة لعملية التنبؤ بنتائج أحداث
مستمرة وتتفاعل بشكل مستمر كتلك المتعلقة بالحرب.
5. المعيار الثاني للتناسب
يطبق مبدأ النسبية على أربعة مستويات مختلفة على الرغم
من تداخلها وهي: السياسية والإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية. يتمثل المستوى
الأول في المستوى السياسي الذي يؤخذ فيه القرار بالدخول في الحرب من عدمه، وكذلك
تحديد أهداف سياسية للعمل العسكري، وهي الأهداف التي تترجم لاحقا، على المستوى
الإستراتيجي، إلى خطط وأعمال عسكرية. تعتبر القرارات على المستويين السياسي
والإستراتيجي حاسمة في تقييم ما إذا كان عادلا الدخول في الحرب من عدمه (قانون شن
الحرب). ومن المطلوب من القادة السياسيين بمساعدة مستشاريهم العسكريين سواء قبل
الحرب أو أثنائها القيام بتقييم مستمر للتحقق من أن المكاسب المحمودة التي من
المتوقع أن تحققها الحرب ـ على النحو المحدد في القضية العادلة ـ لا يفوقها في
الوزن الأذى الذي يقع. ويلزم خلال الحرب إجراء تقييم على المستوى التكتيكي قبل
تنفيذ أي عملية عسكرية وذلك لضمان أن لا تتجاوز الخسائر في ضخامتها الهدف الذي
تهدف العملية لتحقيقه.
6. حصانة غير المقاتلين
يلزم على المقاتلين ألا يهاجموا بشكل متعمد غير
المقاتلين وذلك تطبيقا لمبدأ حصانة غير المقاتلين أو التمييز بين المقاتلين
وغيرهم. ولقد جرى استقاء هذا المبدأ تدريجيا من الحصانات التي جرى السعي إلى منحها
لطبقات بعينيها من قبل الفلاحين الذين يحرثون الحقول، وجرى توسيعه لاحقا ليصبح
التزاما عاما بحماية الأبرياء من ويلات الحرب. وقد أوضحت "كريستن دي بيسان
هذا بقولها:"إن الجنود الشجعان المهذبين يلتزمون قدر الإمكان بالامتناع عن
الإضرار بعامة الشعب البسطاء".
ولكن من هم "عامة الشعب البسطاء؟ ومن هم الأبرياء
الذين يلزم حمايتهم؟ ولماذا يلزم منحهم حماية خاصة؟ وهل حصانتهم مطلقة؟ ..يتبع...
.....................................................................................................................................................
* ألأخلاقيات والحرب. ديفيد فيشر. علم
المعرفة. يوليو 2014. العدد 414. ص. 111/124. (بتصرف). يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.