(إلى بلدتي ابزو، ولمن أعلنوا موتي، ولمن استبشروا
ببقائي حيَّا).
كَمْ هُوَ عَسِيرٌ أَنْ تَحْمِلَ الصَّخْرَةَ إِلَى الأَعْلَى،
وَكَمْ هُوَ يَسِيرٌ أَنْ تُدَحْرِجَهَا إِلَى الأَسْفَلِ.
ثَرَى صَرْخَتِي الأُولَى وَابْتِسَامَتِي
لاَمَنِي فِي هَوَاهَا شَقِيٌّ عَذِلُ
قُلْتُ: "مَا سِوَاهَا هَوِيتُ
فَاشْرَقْ بِغَيْضِكَ أَيُّهُذَا النَّذْلُ،
مَا أَسَأْتُ اخْتِيَارِي
بِحُبِّهَا كَشَفْتُ عَوْرَتَكَ
وَبِحُبِّهَا شَيَّدْتُ انْتِصَارِي.
جِبَالُهَا، زَهْوِيَ الْمَزْهُوُّ بِزَهْوِهِ
نِجَادُهَا، صَدْرُ عَذْرَاءٍ يُنَقِّطُ خَمْرَا
وِهَادُهَا، أَكُفًّ عَرُوسٍ مُخَضَّبَةٍ
فِجَاجُهَا، عَيُونُ ظِلِّ ظَلِيلٍ يُحَدِّثُنِي سِرَّا،
أَفْنَانُ أَغْرَاسِهَا، شعَرُ غَجَرِيَّةٍ
يُرَاقِصُ
النَّسِيمَ،
وَيُلْهِبُ نَبْضَ الْمُحِبِّينَ شِعْرَا.
يَصْعُبُ عَلَى النَّسْنَاسِ السَّاغِبِ
أَنْ يَهْتَدِي لِحُقُولِ الزُّهُورِ
حِينَ تَنْمُو مَقْلُوبَةً أَكْمَامُهَا،
يَعْسُرُ عَلَى النَّسْنَاسِ الصَّرِدِ
أَنْ يَنْزِلَ الْبُحَيْرَةَ
حِينَ تَرْتَدِي الأُسُودُ الضِّفَافَ
تِيجَانًا لَهَا،
وَيَنْعَقُ النَّسْنَاسُ وَيَنْبَحُ
يَعْوِي..يَمُوءُ...
فَيَعْلَقُ الصُّرَاخُ فِي حُنْجُرَتِهَ صَخْرَا
صُبَّارًا وَطَلْحًا وَسِدْرَا
يَكْتَوِي بِغَيْضِهِ، بِعَجْزِهِ
يُشْعِلُهُ حِقْدُهُ جَمْرَا
فَيَكُونُ رَمَادًا وَفَحْمًا.
*****
هَوَاؤُهَا... وَهَوَاهَا
رَوْحٌ وَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ
وَانْتِمَائِي أَبَدِيُّ التَّكْوِينِ
يَتَجَدَّدُ فِي تُرْبَتِهَا، فِي سَمَاهَا.
طِينِيٌّ أَنَا شَاعِرُكِ، وَمُحَلِّقٌ..
أُبْعَثُ فِيكِ مَعَ الْفُصُولِ الْخَمْسَةِ،
أَصْفَرٌ خَرِيفِيٌّ
أَبْيَضٌ شَتَوِيٌّ
قَمْحِيٌّ صَيْفِيٌّ
بِأَلْوَانِ قَوْسِ قُزَحٍ رَبِيعِيٌّ
وَبِدُونِ مَلاَمِحٍ كَاللاَّمُنْتَهَى،
أُلَحِّنُنَا وَتَعْزِفِينَنَا
سِيمْفُونِيَةً لِلْوُجُودِ الأَبَدِيِّ الْمُشْتَهَى.
هَا أُنَاجِيكِ مِنْ قِمَّةِ وَجْدِي،
يَا أَحْلاَمَ الْبُرْتُقَالِ
يَا أَغَارِيدَ النَّارَنْجَ
يَا شَقْشَقَةَ الصَّفْصَافِ
يَا هَدِيلَ الأُقْحُوَانِ
يَا سِيرَةَ الشُّعَرَاءِ الْقَادِمِينَ وَالرَّائِحِينَ،
أَبَدًا لَنْ يُنَاسِبَكِ الأَحْيَاءُ الْمَوْتَى.
وَحْدِي عَاشِقُكِ الأَزَلِيّ،
أَلاَ هَدْهِدِينِي بَيْنَ نَهْدَيْكِ
عَارِيَيْنِ تَحْتَ الضَّوْءِ
وَلْيَنْتَحِرِ الْحَقِيرُ.
حِكْمَةُ كُهُولَتِي أَنْتِ
وَحُلْمٌ لِطُفُولَتِي أَنْتِ
وَمِنْ أَقَانِيمِ أَنَانَا
تُرَفْرِفُ إِلَيْنَا الْعَصَافِيرُ..
وَلَدْتِنِي مَرَّةً وَاحِدَةً
وَهَا أَنْتِ تُولَدِينَ مِنِّي مَرَّاتٍ وَمَرَّاتْ
بِكُلِّ أَلْوَانِ الطَّيْفِ،
وَنُمْطِرُ مَعًا يَنَابِيعَ عِشْقٍ وَشِعْرٍ وَارْتِحَالْ.
لُغَتِي رَذَاذٌ، وَأَنْتِ السَّحَابَةُ الْمُزْنَةُ
وَبَرَاعِمُنَا تَتَفَتَّقُ مِنَ الرَّمَادِ،
وَمَتَى يُغَازِلُنَا هِلاَلُ الْمَوْجِ
هَدْهِدِينِي بَيْنَ نَهْدَيْكِ
عَارِيَيْنِ تَحْتَ الضَّوْءِ
وَلَيَنْتَحِرِ الْحَقِيرُ..
لَنَا الْحُلْمُ وَمَا أَوْحَى
لَنَا الْوَحْيُ وَمَا أَمْلَى
لَنَا وَهَجَ الأَكَالِيلِ
لَنَا النَّفَسُ الطَّوِيلُ
وَلَنَا الْفَجْرُ الْبَلِيلُ.
بِاسْمِنَا أُعْلِنُ اسْتِمَرَارَ التَّكْوِينِ
نَتَغَرَّبُ فِينَا لِنُرَمِّمَنَا.
حِصَانًا نَحِيلاً كَانَ اللِّقَاءُ
تَطْرُدِينَ بِذَيْلِكِ الْمَبْتُورِ
تَطْرُدِينَ الذَّبَابَ عَنْ جُرْحِنَا،
وَجَوَادٌ أَصِيلٌ عَدَوْتِ خَبَبًا
تُسَرِّجِينَ ظَهْرَكِ لِلْعَنَادِلِ،
وَلِي وَحْدِي تُطَرِّزِينَ الْمَنَادِيلَ
وَبَيْنِي وَبَيْنَكِ يَا فَاتِنَتِي
مَا بَيْنَ الْبَذْرَةِ وَالرِّيحِ.
يَجْمَعُنَا الْمَطَرُ.. وَأَكْثَرُ
أُفْقُنَا الْمَفْتُوحُ عَلَى الأَمْسِ، وَالآتِي
يَقُودُنَا مَعًا،
إِلَى حَيْثُ تَتَنَقَّلُ فَرَاشَاتُ النَّهَارِ
إِلَى حَيْثُ تَمْضِي فَرَاشَاتُ اللَّيْلِ.
فَهَدْهِدِينِي بَيْنَ نَهْدَيْكِ
عَارِيَيْنِ تَحْتَ الضَّوْءِ
وَلْيَنْتَحِرِ الْحَقِيرُ..
المصطفى فرحات
غشت 2014. (من ديواني: أوراق مسافر لم يسافر).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.