ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website المصطفى فرحات يرحب بكم
أنت إنسان حر الإرادة والفكر والفعل؟ إذا أنت غير موجود..

بحث هذه المدونة الإلكترونية

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة

رسائل


،رسائل: الرسالة (13): لا شيء يسعدني أكثر من إقبالك على الحياة بتفاؤل، ولا شيء يحزنني أكثر من إقبالك على الحياة بتشاؤم... ..

جديد الأخبار

7. قالوا عن الحزن: * "لا يوجد أحد يستحق دموعك، على أي حال ذلك الشخص الذي يستحقها لن يجعلك تبكي". )غابرييل جارسيا ماركيز) * "الغضب والدموع والحزن هي أسلحة المستسلمين". (كيتي جيل) * "للحزن أجنحة يطير بها مع مرور الزمن". (جان فونتين) * "ليس الحزن سوى جدار بين حديقتين". (كاهيل غبرين) * "الصمت الطويل هو الطريق للحزن... لأنّه صورة للموت". (جان جاك روسو) * "الكثير من السعادة تستحق القليل من الحزن". (ثوماس فولر)
أحدث المواضيع

coinautoslide

Everybody dies

INFO

معلومات
  • 1. * أنت أقوى مما تعتقد
  • 2. * إذا لم تستطع شيئا فتجاوزه إلى ...
  • 3. * السماء كئيبة، إذا ابتسم
  • 4. * لا تحزن على ما فاتك
  ركز على ما تفعله...

الثلاثاء، 17 مايو 2022

مقاربات نقدية: 10.البطلة بين القهر الاجتماعي والقهر القومي . قراءة في رواية: "أغنية لذاكرة متعبة" لحليمة الإسماعيلي.

 

تعرفت على حليمة الإسماعيلي، الشاعرة القادمة من مدينة جرادة منذ سنوات طويلة. كان اللقاء الأول لنا في مدينة مكناس سنة 2000، بمناسبة الملتقى شعري نظمته جمعية بيت الصداقة، ومن وقتها لم تنقطع هذه العلاقة..

ورغم الظروف الصعبة التي تحيط بالشاعرة إلا أنها تصر على تحويل هذه المعاناة إلى إبداع، فكتبت ونشرت ديوانها الأول "العطش"، وديوانها الثاني "ما أوسع الموت فيك"، ومولودها الثالث رواية "أغنية لذاكرة متعبة".

والجديد في مسيرة الشاعرة هو تحولها من الكتابة الشعرية لتخوض تجربة الكتابة الروائية.. والقارئ لهذه لرواية سيلاحظ أن هناك تقاطع بين ما هو شعري وما هو نثري/سردي سواء من حيث الشكل أو المحتوى. وعندما نقارن بين ديوانها العطش مثلا والرواية نلاحظ أنها نهجت نفس الأسلوب في تبويب المادة الإبداعية، وفي أسلوب الكتابة من حيث اختيار المفردات اللغوية، و التعابير، والجمل ..

وتبقى كتاباي حليمة الإسماعيلي الشعرية والنثرية مرتبطة بشجون الذات وانشغالاتها وهمومها في بعدها الشخصي، والوطني، والقومي، والإنساني. وسأحاول من خلال لرواية "أغنية لذاكرة متعبة" أن أكشف عن حياة البطلة "أماني" من خلال التمزق الذي تعيشه بين القهر الاجتماعي والقهر القومي. فكيف إذا عاشت البطلة حياتها بين هذين القطبين؟

1ـ في الفصل الذي عنونته الكاتبة ب"وجه في الذاكرة، والذي يمتد على مساحة تسعة وعشرين صفحة، تصور فيه الكاتبة حالة البطلة وهي المسافرة من مدينة مراكش في اتجاه مدينة طنجة على القطار بدعوة من صديقتها نزهة، وزوجها فضيل من أصول جزائرية، وطيلة الرحلة لم يكن شغلها الشاغل سوى مالك الرجل الذي عشقته حتى الجنون، وبرأت بدأت هذه التجربة العاطفية عندما تقاسما فضاء جريدة، مالك نشر على صفحاتها مقالا، والبطلة قصيدة شعرية، وقتها اشتعل القلب، وفاض الشوق، ولم يتوقف النبض. "لما استوطنت قصيدتي يوما صفحة من صفحات هذه الجريدة [ إشارة إلى الجريدة التي تحملها معها "أماني" أثناء السفر والتي تضم مقالا وصورة "مالك".] وتقاسمت مع مقالك مساحة للسرب.. وبين القصيدة والمقال تواطؤ رحب للحزن (ص 6)"

ورغم العلاقة الحميمة التي تربط بين "أماني" و "مالك" إلا أنهما في جوهر الأمر متباعدين، مما يزيد من معاناة البطلة "يا إلهي كيف يمكن لشخصين يتكلمان نفس اللغة ألا يتمكنا من التفاهم (ص 10)". وسوء التفاهم هذا يعود أساسا إلى الاختلاف الذي يحكم منطلقات كلاهما في تحديد طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بينهما. تقول الكاتبة على لسان البطلة: " أنا أحذر كل الرجال فكل منهم يرى أن المرأة صالحة للمتعة والعمل لا أقل ولا أكثر (ص 10)". ربما "مالك" هو واحد منهما؟! ولأن "أماني" لا تستحمل هذا الصنف من الرجال قررت أن تقطع أي اتصال به، فقد أراد ـ وهو الرجل المثقف ـ أن يجعل من نفسه "شهريار" آخر: "قررت أن تكون سيد علاقاتنا كما كنت أبدا، وأن تتحمل بنفسك مسؤولية إطلاق رصاصة الفراق (ص 11)".

إذا كان السفر طريقة من طرق الهروب من الواقع ولو مؤقتا، فهو بالنسبة ل "أماني" مناسبة لإثارة الذاكرة، واستحضار الذكريات الحلوة والمرة التي جمعتها ب"مالك"، لكن هذه الذاكرة التي عولت عليها تبدو متعبة، مهزومة، معاندة، ترغب في التخلص من الماضي الذي لا يزيدها إلا ألما ومعاناة: "ليت القطار يسارع في الوصول ويريحني من عذابات الذاكرة (ص 21). ولكن يبدو أن هذه الرغبة المعلنة تخفي حقيقة مرة، وهي أن الرجل الذي تريد التخلص من ذكراه حتى تستريح هي إحساسات زائفة وواهمة. فكيف التخلص من رجل تحمله معها في القطار في شكل مقال وصورة: "..أما أنا طويت الجريدة لأترك حجم الصفحة التي تحمل مقالك وصورتك (ص 11)". ولكن من هو "مالك" هذا استحوذ على مشاعر البطلة إلى حد الهوس؟ إنه الرجل المسكون بقضايا قومية ووطنية: "إنه واحد من جيل حمل همومنا وأحلامنا..يراود الحياة بعين طفل مشاغب: قاس ضد نفسه، لا يتساهل مع القوانين (ص 23)." هذه شهادة لصديقة البطلة "حياة الراشدي"..لقد وقع ما لم يكن في الحسبان، وهاهي ذي "أماني" تبكي حظها حين فقدت "مالك" بل "التاريخ كله يبكي رحيلك عني كما كنت أبكي أنا (ص 28)"

2 ـ وفي الفصل الذي عنونته ب "من يصدق أعذار الصدف"، وهو حوالي اثنان وأربعين صفحة، رصدت لنا الكاتبة جانبا من حياة الأسرة التي استضافتها بمدينة "طنجة"، فهي تعيش وضعية لا تحسد عليها، فسوء التفاهم هو من يحكم العلاقة بين الزوجين. يقول "فضيل بومدين" مخاطبا زوجته: "أتذكرين الوضع بيننا يا سيدتي؟ إنه وضع متفجر (ص 39)". وعلى الرغم من محاولات أسرة "فضيل" التخفيف عن "أماني" وتسليتها باستضافتها خارج البيت، إلا أنه سرعان ما نسرقها ذاكرتها المتعبة عندما تختلي بنفسها في غرفتها وتفتح الجريدة على اسم وصورة "مالك"، فتعود هذه الذاكرة لتنبش في الماضي المؤلم: "ما أفضع نهاية الأشياء الجميلة! الأمس فقط كنت مشدوهة لأني وجدته، واليوم أقف مفجوعة بعد أن فقدته (ص 49.)

وتقترح أسرة "فضيل" على "أماني" زيارة مدينة "تطوان" في جولة سياحية، لكن "فضيل" يبدو شاردا متوترا، وتقاسمه "أماني" معاناته الناتجة عن الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر: "لقد بثت العديد من القنوات الفضائية صورا لمذابح جديدة ارتكبت في حق أناس أبرياء (ص 58). يقول "فضيل": "كنت أمني النفس بأن الجزائر سيصنع قدره يوما كما صنع قبل الاستقلال وأخرج الفرنسيين، لكن ها هو ذا مرتبك أمام قبعة العسكري، وأمام اللحية ص 59".

كانت فترة الإقامة في تطوان قصيرة، فقد سافروا جميعا نحو "مارتيل" أملا في التحرر من قهر الذاكرة. "ماذا لو تحررنا جميعا من قيودنا الاجتماعية، وخلعنا ذاكرتنا، وقذفنا بعمرنا في تسكع دائم؟ (ص 60)"، تقول الكاتبة.

وتحصل المفاجأة، تلتقي "أماني" و"مالك" في لحطة غير متوقعة، لكن المقابلة القصيرة التي جمعتهما تفتقد إلى الحرارة والدفء اللذان يتطلبهما الموقف، فأثناء الحوار الذي دار بينهما "استعارت لسانا باردا(ص 66". حاولت أن توهم نفسها بأنها فقدت كل شهية اتجاه رجل أتعب ذاكرتها، لكن سرعان ما تنفضح مشاعرها فحين نادتها صديقتها نزهة تذكرت حجم العشق الذي تكنه لمالك: "أنا لا أريد أن أنتهي، أتمنى لو تطول الساعات والطرق (ص 71)". وتبلغ درجة الحزن أقصاها، ففي حوار ذاتي تخاطب نفسها بمرارة وقسوة: "منذ البدء كنت أعرف أنه ليس لي وجه، يا وجهي المسروق، عليك الحزن إلى يوم الدين (ص 72)".

3 ـ أما الفصل الموالي فيحمل عنوان: "حين يتحرش البحر بدمي". خمسة وأربعون صفحة. يبدأ باسترجاع "أماني" اللحظة التي جمعتها ب"مالك" على الشاطئ، وفيما يشبه المناجاة، تصف لنا اللحظة بحرقة مستعيدة وبدقة ملامح "مالك" ونظراته، وحركاته. لقد كانت لحظة شعر بامتياز، بدا فيه الأمير والسيد على "ذاكرة مثخنة (ص 75)". لكن سرعان ما تعود تستعيدها توازنها حين تقرر التخلص من أوهامها، فاللقاء الذي حصل هو: "حادثة صدفة مفجعة قد تؤدي إلى مستعجلات الذاكرة أو مقبرة النسيان (ص 75".)

تتذكر "أماني" إذا لتنسى، لكن صوت "مالك" عبر الهاتف يعيدها من جديد إلى الذاكرة، يبرر لها ما حدث، فترتبك كل حسابات "أماني" وتصرخ معترفة: "أحبك يا "مالك" ـ أحبك ـ مع وقف التنفيذ".

وحين تدعوها صديقتها "نزهة" إلى الخروج للقيام بنزهة في المدينة تعتذر "أماني" بدعوى انتظار مكالمة من "المهدي"، الخطيب الذي سيلتحق بها بطنجة، لكن هذا الأخير يعتذر لسباب تتعلق العمل فتسارع إلى الاتصال ب "مالك" وتسافر إلى تطوان لتلتقي به. يجلسان ب"رياض العشاق". وفي حوار يشبه البوح يتحدثان عن أشياء قديمة جديدة، بلغة تقريرية أحيانا، وأخرى باستعارة أقوال الشعراء والمغنين، ك"جاك بريل"، والشاعر اليوناني "ريتسون وشكسبير وبيرون" ليبرهنا لبعضهما البعض أن هناك شيء مشترك بينهما. وينتهي اللقاء كما بدأ. وهي تغادر المدينة، و"مالك" تشعر "أنها مهجورة وحيدة كصدفة منسية في مقبرة (ص .96)".

تعود "أماني" إلى طنجة لتفاجأ بأحداث لم تكن متوقعة، وهي أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأثناء حوارها مع "نزهة" يأتي صوت "المهدي" الخطيب عبر الهاتف يخبرها بأنه سيحل بطنجة، ويدعوها إلى الغداء، وتقبل الدعوة ببرودة وكأن الأمر لا يهمها، وهنا تتجلى المفارقة في علاقة "أماني" ب "مالك" و "المهدي"ز فالأول هو الحاضر الغائب في حياتها، أما الثاني فهو الحاضر الغائب..وبدل أن تفكر "أماني" في زينتها كما تفعل عندما تذهب للقاء "مالك"، وبدل أن تقاسم "المهدي" وجبة الغداء بحميمية، فقد أهملت زينتها، وكانت حاضرة فقط بجسدها، فهي مشغولة بأمور أخرى: القضية الفلسطينية، الدمار والموت...."التحالف الحقير بين دبابة ومروحية وصاروخ في وجه طفل يحمل حجارة، أعاصير حزن هائج متصادم، متوحش يزحف إلى ما أرخص الدم العربي (ص 99).

العلاقة بين "أماني" و "الهادي" غير متكافئة، ففي الوقت الذي تحلم فيه "أماني" بعوالم مثالية، فهو لا يفكر إلا في مشاريعه الخاصة. يقول "الهادي" معلقا على أحد تدخلات البطلة: "صدقيني يا عزيزتي، الرومانسية حفنات أوهام (ص 102)". وكانت النهاية لعلاقاتهما طبيعية إلى حد ما، وقررت "أماني" "إلغاء مشروع الزواج (ص 115)". وتغادر طنجة.

4- وتختم الكاتبة روايتها بالفصل الذي اختارت له عنوان: "رجل من زمن الأساطير". تستهله بمواجهة مفتوحة مع ذاكرتها بلغة عنيفة وقاسية وجافة: "أريد هدنة أيتها الذاكرة الملغومة المتربصة بي في كل الأزمنة وكل الأمكنة (ص 119)". إنه حوار داخلي مثقل بالكمد والمعاناة، "أماني" أن تتحسس طريقها المتعرج بين قلبها وعقلها، وحين عادت إلى البيت وجدت نفسها وسط أسرة تنتظر عودتها بصحبة المهدي، فيتهمونها ويهاجمونها، يقول الأب غاضبا: "الفتاة التي تعصي أمري فتاة تنتمي إلى خانة الغرباء، ولا تملك أن تكون ابنة لي (ص 123)".

تختار "أماني" العزلة التي لم تطل كثيرا، فقررت أن تفتح هاتفها النقال وأن تقرأ الجرائد. الأسرة تلح عليها أن تتزوج "المهدي"، لكنها مشغولة بأشياء أخرى، فها هي ذي من جديد تتابع أخبار العالم: الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، أمريكا، كوبا، السودان، انتفاضة الأقصى..إنها ممزقة بين "فجيعة القهر القومي، وفجيعة القهر الاجتماعي (ص 126)".

وتقبل "أماني" "المهدي" زوجا، فتعود البسمة إلى البيت، لكن صورة "مالك" لا تفارق الذاكرة المجروحة حتى في لحظة فرح، تقول: "يتصورون دموعي دمع عروس مذبوحة بسكين الفراق، يواصلن زغرداتهن المحمومة في انتظار أن يزفني إلى مخدع غريب، في فندق غريب، في فراش رجل غريب (ص 145)". أما الرجل الذي أحبته فقد رحل إلى الأبد وهو الذي هرولت إلى قلعته تاركة قلبها وحذائها عند باب الجنون".

لقد كتبت حليمة الإسماعيلي ما كتبت بقلب مفتوح، واستحقت هذه الرواية أن تنعت بالرواية الشعرية. فاللغة التي وظفتها والتعابير المنتقاة والمختارة بدقة وبحس جمالي رفيع تنم عن ذائقة مرهفة ومدربة على الصياغة الشعرية الغنية بالصور الفنية والبلاغية الممتعة، كما أن الرواية زاخرة بالمقاطع الشعرية النابضة بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية  الرفيعة مما جعل منها سيمفونية إيقاعية تتناغم فيها العبارة التقريرية، بالجمل الشعرية لتخلق لدينا أجواء يتجاور فيها الذاتي بالقومي والإنساني.

2005

المصطفى فرحات


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.