ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website المصطفى فرحات يرحب بكم
أنت إنسان حر الإرادة والفكر والفعل؟ إذا أنت غير موجود..

بحث هذه المدونة الإلكترونية

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة

رسائل


،رسائل: الرسالة (13): لا شيء يسعدني أكثر من إقبالك على الحياة بتفاؤل، ولا شيء يحزنني أكثر من إقبالك على الحياة بتشاؤم... ..

جديد الأخبار

7. قالوا عن الحزن: * "لا يوجد أحد يستحق دموعك، على أي حال ذلك الشخص الذي يستحقها لن يجعلك تبكي". )غابرييل جارسيا ماركيز) * "الغضب والدموع والحزن هي أسلحة المستسلمين". (كيتي جيل) * "للحزن أجنحة يطير بها مع مرور الزمن". (جان فونتين) * "ليس الحزن سوى جدار بين حديقتين". (كاهيل غبرين) * "الصمت الطويل هو الطريق للحزن... لأنّه صورة للموت". (جان جاك روسو) * "الكثير من السعادة تستحق القليل من الحزن". (ثوماس فولر)
أحدث المواضيع

coinautoslide

Everybody dies

INFO

معلومات
  • 1. * أنت أقوى مما تعتقد
  • 2. * إذا لم تستطع شيئا فتجاوزه إلى ...
  • 3. * السماء كئيبة، إذا ابتسم
  • 4. * لا تحزن على ما فاتك
  ركز على ما تفعله...

الاثنين، 16 مايو 2022

مقاربات نقدية: 8. العبور إلى الجحيم: مغامرة مهاجر مغربي بهولندا من خلال رواية: " أخطاء لا تقتل" لمحمد عطاف.*


يقول عبد الواحد لؤلؤة في كتابه "البحث عن المعنى: "إن دور الناقد هو أن يعيد بصورة لا تشبه الأصل ما أنتجه
الفنان". هذه المقولة على بساطتها تبدو جد معقدة عندما نحاول تطبيقها لأن هذا الأمر يتطلب من الناقد أن يقف عند كل كلمة أو جملة ويعيد تركيب العمل بشكل آخر دون شان يخل بالهدف العام الذي يتوخاه الكاتب من وراء إنتاجه، وهذا ما سأسعى إليه في قراءتي لرواية "أخطاء لا تقتل" مع الإشارة ولو بإيجاز إلى الجوانب التقنية التي وظفها الكاتب في روايته .. وقد اخترت لهذه القراءة عنوانا مركزيا: "العبور إلى الجحيم
".

لقد كانت البداية حلما، ولكنه سيتحول في لحظة ضعف إلى كابوس مرعب قاد الخلفاوي ـ الشخصية المركزية ـ إلى الجنون...

الخلفاوي الشاب الطموح الحالم كان ينظر إلى ما وراء البحار كفضاء سيحقق له جميع أمنياته، ولم يخطر بباله أنه سيعيش تجربة مريرة جعلت منه معتوها، ورساما، وكاتبا، وشاعرا وفيلسوفا، وسياسيا، وعالم اجتماع.. نعم عاش الخلفاوي تجربة التأمل في المعاناة، والحصيلة كانت هذه الرواية المثيرة والتي تستحق وقفة طويلة لأنها نموذج حي لكل الذين يحلمون بالهجرة إلى أوربا، بلد الحلم الوردي.

وإذا كان الصديق الصحافي والشاعر فراس عبد المجيد قد طرح في مقدمة الرواية سؤالا مفصليا يهدينا إلى عالم الرواية هو: «لماذا حصل كل هذا؟"، فإن سؤالين بديهيين يكملان الأول يمكنهما أن يساعدانا على فهم ما حصل هما: "كيف حصل هذا؟ وما الحصيلة النهائية لكل ما جرى؟

كانت البداية حلما، الخلفاوي "قضى ردحا من الزمن يحلم بالمجيء إلى هولندا وجاءها" (الرواية ص 8). ويبدو من خلال بعض الإشارات الواردة في النص أن المجيء كان للدراسة "وأتوقف عن دراستي" (الرواية ص 18). إذا "تحقق الحلم، لكن في نهاية المطاف خرج الخلفاوي باستنتاج هو أن المجيء كان خطأ "مثل هذا الخطأ يجب أن لا يقع" (الرواية ص 8). لكن كيف انتهى الخلفاوي إلى هذه الحكمة؟ وما هي الأخطاء التي ارتكبها؟ وهل كان المسئول عنها؟ وكيف عالجها؟ وهل أحسن اختيار أسلوب العلاج؟ وما هي النتائج المترتبة عن هذا الاختيار؟

أسئلة عديدة تثار لدى القارئ وهو يعبر مع محمد عطاف رحلته مع الخلفاوي الذي يمكن اعتباره الصورة الخلفية للكاتب نفسه.

إذا تتبعنا سيرة الخلفاوي كما رسم معالمها محمد عطاف فإننا سنجد أنفسنا أمام شخصية عادية جدا، ومعقدة جدا، هو بطل لا يصنع الأحداث الساخنة أو تصنعه، هو بطل من النوع الذي يرى، يراقب، يحلل، يستنتج، يعلق، يبدع، وبتعبير آخر فإنه يقدم شهادة على مجتمع غربي جربه، وهو المجتمع الهولندي، وعلى مرحلة من تاريخ الأمة العربية امتازت بسخونة أحداثها، عايشها كعربي ومن خلال مواقف الإنسان الأوروبي.

لا نعرف الشيء الكثير عن حياة الخلفاوي قبل عامين، ربما لأنه لم يحصل شيء في حياته يستحق ذكره، أو حتى الإشارة إليه، حدث واحد يبدو عاديا هو الذي سيغير مجرى حياته، بل سيقوده إلى اتخاذ قرارات صعبة كان لابدّ منها لمواجهة إكراهات الواقع، هذا الحدث هو مرضه المفاجئ "منذ عامين أصبت بمرض السل" (الرواية ص 17). هذا المرض كان سببا في توقفه عن الدراسة وخضوعه "للعلاج لمدة سنة" (الرواية ص 17). كان من الممكن أن يمر بهذه التجربة بشكل عادي، فآلاف من الناس مرضوا بالسل وخضعوا للعلاج ولم يحصل معهم ما حصل للخلفاوي، إنه رجل مختلف نوعيا، فهو إنسان كما شخص حالته طبيبه النفسي "عاطفي جدا" (الرواية ص45). وهذا يعني أن شخصيته هشة وقابلة لأن تنهار في كل حين، وهذا ما حصل بالفعل.

ما لم يستطع الخلفاوي تحمله ـ بعد مرضه ـ هو العزلة، "كل معارفي وأصدقائي قطعوا صلتهم بي حين علموا بمرضي" (الرواية ص 18). وكان بالإمكان أن يتحمل الخلفاوي هجرة الأصدقاء له، لكن ما لم يتحمله هو أن مليكة هي الأخرى سارعت إلى قطع العلاقة به "كانت أعز معارفي، كانت أعز أصدقائي، كانت حبيبة القلب. هي الأخرى علمت بأن رئتي اليمنى مسلولة، ابتعدت عني، قطعت علاقتها بي. وهجرتني إلى غيري.." (الرواية ص 18)

مليكة إذا هي من قاده إلى الاختيار الصعب، هي الشرارة التي أشعلت النار. فمن هي مليكة التي يتكرر اسمها على طول صفحات الرواية؟ لا نعرف عنها الشيء الكثير، بل كل ما نعرفه هو "السقوط عند مليكة عادة" (الرواية ص 16). ثم إنه دخل في منافسة عليها مع شخص آخر تقول عنه مليكة "إنه ذو مال لا يعد ولا يحصى" (الرواية ص 34).أعلن الخلفاوي انهزامه، وسلم نفسه للأمر الواقع هجرته إلى غيره وهو الذي "أحبها ولم ينلها" (الرواية ص 34)

تحضر مليكة بشكل يمكن معه القول أن الرواية كتبت أصلا لمليكة، يقول عنها السارد: "مليكة دائما كوقود الحياة، بدونها تصير الحياة قربة" (الرواية ص 33). وحتى عندما يعتقد أنه تخلص منها نهائيا تحضر في مخيلته بعنف "مليكة موجودة طيفا" (الرواية ص 36). وكان على الخلفاوي أن يجد البديل، فكانت "دانيال الآن مليكة الماضي" (الرواية ص 65). وكيف للخلفاوي أن يتخلص من صورة مليكة وهي التي "أدت به إلى مستشفى الأمراض النفسية" (الرواية ص 25). وهي من أحاله "على عالم الجنون بقصد" (الرواية ص 25). مليكة هي المرأة التي "بسببها يوجد الخلفاوي في مستشفى الأمراض النفسية" (الرواية ص 65).

يتوقف الخلفاوي عن الدراسة وغريمه في مليكة صاحب أموال، والخلفاوي المريض يستأجر غرفة بسيطة يعاني داخلها العزلة والاغتراب. إذن لابد مما ليس منه بد "العمل واجب، العمل واجب، البحث عنه واجب، وممارسته واجب، إن لم يوجد يصير السخط واجبا. المال، كل شيء يتوقف على المال" (الرواية ص 36). السؤال هو: كيف سيحصل على العمل ثم المال؟ وهو قبل كل هذا وذاك في حاجة إلى تسوية وضعيته كمهاجر. لقد كان الهدف عند الخلفاوي واضحا تماما: "الحصول على أوراق الإقامة، وبالتالي على سكن وإعانة مالية" (الرواية ص 21). والمسألة ليست سهلة، فتجديد تأشيرة الإقامة في هولندا صعب: "ولابد أن تعرض على من هم فوق ويسمون بأصحاب النظر والقرار، وهذا يتطلب وقتا طويلا" (الرواية ص 37)

ما الحل؟ هنا نبدأ فصلا جديدا ومثيرا من سيرة الخلفاوي، لقد اختار وبكل وعي أن يركب الحمق، "والحمق قد يغدو مركبا إلى وطن الطموحات" (الرواية ص 7). ومن تم سيجد الخلفاوي نفسه يعيش وضعية نفسية خطيرة هي نتاج وعيه بالتناقض أو بازدواجية شخصيته "الخلفاوي عاقل، فوق العادة، أحمق ممتاز" (الرواية ص 7). لكن لماذا الحمق وليس شيئا آخر؟ يجيب الخلفاوي: "صار للحمق قيمة في بلد ترعى كل كبيرة وصغيرة بالقانون" (الرواية ص 19)

كيف عاش بطلنا حياة الوعي وحياة الحمق؟ وهل استطاع أن يوفق من خلال تبنيه للحمق بين الحياتين؟ هذه الأسئلة سنعمل على الإجابة عليها من خلال تبعنا لتجربة الحمق عند الخلفاوي.

كان الخلفاوي يعيش في غرفة استأجرها من امرأة هولندية التي بدأت تلاحظ تدهور حالته الصحية، واستغراقه في الشرب، وكلما تحدث إليه تأكد لديها "أنه مريض أو أنه يمرض بالتدريج" (الرواية ص 10). فنصحته بأن يتصل بالمساعد الاجتماعية أو طبيب الأسرة الذي اتصل به الخلفاوي وتكلم له "بإسهاب عن القرارات التي اتخذها في حق نفسه" (الرواية ص 11). ونصحه الطبيب بزيارة اختصاصي نفسي، فوافق.. وبعد أن استمع إليه الطبيب قرر أن يدخله المستشفى للعلاج، وهنا تبدأ الحكاية المأساوية حيث سيلتقي عينة من المجتمع الهولندي وهي مناسبة ليصب عليه الخلفاوي جام غضبه "الهولنديون المجانين طبقة بلا شكل، ثم المجانين الهولنديون طبقة بلا محتوى.. الخلفاوي أجنهم لأنه يبلع المهدئات وهو هادئ الطباع" (الرواية ص 19). وهو إذ يركز علة النماذج البشرية التي سنتحدث عنها فإنه يريد أن يفضح المجتمع الهولندي من الداخل، إنه "في غاية الانهيار، مرضى وبقايا أرواح" (الرواية ص 50). لقد قضى الخلفاوي سنة ونصف مع مجانين لهم مشارب ثقافية وأصول عرقية متنوعة، جمعت بينهم المعاناة والمكابدة، وهكذا تعرف على: ميري: المعوقة الكسيحة. تون: المصابة بسرطان الرحم. وشواردة: التي تسمع أصواتا وترى صورا. وبريجيت: التي لا تتجاوز الست عشرة سنة وقد تعرضت للاغتصاب. "ألفير": بنت الثامنة عشرة المصابة بالصرع. "أرينو": المرأة الكاثوليكية الاندونيسية الهولندية التي تخاف منن كل شيء. و"يوهان": المصاب بالصرع. و"أوليفيا": التي تأكل كالبقرة. و"جانينو": امرأة العمل الثقافي التي وعدته بإقامة معرض لرسوماته. والمغربي ذو اللهجة البركانية. و"موكوكو": الفتى الزاييري. وفلفريد: الشاب الأسود. و"روبرت": الذي يتعاطى المخدرات. و"هنك": الشاذ الجنسي. واللائحة تطول..

هكذا لم يكتف الخلفاوي بتبني لغة الفضح لتعرية المجتمع الهولندي بل ذهب في حقده على هذا المجتمع إلى أكثر من هذا، فعندما نزل جناح الدكتور فيبو "نزل عنده برغم المرض والاكتئاب فترك له ذكرى سيئة، نزل كما ينزل نمر شرس وسط قطيع من الغزلان الوديعة" (الرواية ص 77).

ومع أن الخلفاوي كان يقضي سنة ونصف داخل مستشفى الأمراض النفسية فإن صلته بالعالم الخارجي لم تكن منقطعة تماما، فقد كان يتتبع أخبار وطنه من خلال الرسائل التي كانت تصله من "صديق، وفي التلفزيون كحرب الخليج" (الرواية ص 94). و"القمة العربية لصيف 1996 بالقاهرة" (الرواية ص 96). ومتابعة القضايا الساخنة للمجتمع الهولندي كقضية المخدرات...

لقد خاض الخلفاوي تجربة مثيرة ومدهشة، واستطاع أن "ينهي رحلته بأقل الأضرار الممكنة، فشهد له بالذكاء والحذق، وحصل على تأشيرة إقامة لمدة سنة وحصل على منزل لأجل غير مسمى، وحصل على إعانة مالية شهرية" (الرواية ص 117).

تبقى رواية أخطاء لا تقتل لمحمد عطاف نموذجا للأعمال الأدبية التي تتوفر فيها كثير من الخصائص التي تجعل منها عملا ناجحا، وهي:

1. صدق التعبير عن واقع الحياة، فهي تقدم لنا تجربة إنسانية تجسدت في شخص الخلفاوي بطل الرواية الذي ليس إلا الوجه الآخر للكاتب.

2. دقة التصوير لمشكلات المجتمع، فالكاتب استطاع من خلال تصويره لمعاناة الخلفاوي أن يحدس كثيرا من الدوافع التي تحرك المجتمع وتفعل فيه وتنشط مؤسساته، كيف لا "وقد صار للحمق قيمة في بلد يرعى كل كبيرة وصغيرة بالقانون" (الرواية ص 19).

يقول الدكتور عبد الواحد لؤلؤة: "إن هدف الكاتب هو رسم صورة ونماذج يمكن العثور على أصولها في الواقع، ولا أعتقد أن كاتبا يطمح بأكثر من ذلك إلا إذا كانت أغراضه غير فنية. من ناحية ثانية فالكاتب يستعمل خبرة كسبها بنفسه، وبصورة مباشرة يقدم أدبا أكثر قيمة من كاتب آخر توصل إلى هذه الخبرات عن طريق الكتب أو بصورة أخرى غير مباشرة" (البحث عن المعنى، دراسات نقدية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة 11. 1983.ص 13)

ولعل العامل الآخر الذي ساهم في إغناء هذه الرواية هو الأسلوب التصويري والشعري الذي وظفه الكاتب بطريقة تجعلنا نقول وبلا تحفظ بأن السرد في الرواية مزيج من اللغة المرتكزة على الواقع المعاش والمجرب، وهذا ما يوفر للقارئ عنصر الفائدة، وعلى الخيال الخصب الذي يحلق بنا في فضاءات شعرية مثيرة، وهذا ما يمنحنا لذة المتعة. وفيما يلي نماذج من هذه اللغة الشعرية والتي أتمنى أن يستمتع بها القارئ كما استمتعت بها:

1. "مارس الخلفاوي التأوه، مارس أحبته وأعزاؤه الإشفاق عليه، وعندما حل الربيع جمع الزهور العطرة، ونمق بها أجداث الآمال عسى وعل تحيا من جديد، وأطلق في كل الاتجاهات فراشات" (الرواية ص20)

2. "رأى الموت، لونه أزرق سماوي وحنون، وذو إغراء واسع" (الرواية ص 21).

3. "حركة النعت مقلوبة، وغير مقلوبة، وهكذا الحياة مقلوبة وخرساء أيضا، وهو مستعد اليوم كما بالأمس أن يحطم أركان الكتمان، وأسوار الحكايات ويتنازل عن دمه لأجل دمه" (الرواية ص 25)

4. "امرأة رمت حليلها بين جبلين، جبل من فحم وآخر من رماد ساخن" (الرواية ص 25)

المصطفى فرحات

14/11/2000. 

******************************************************************************

* نشر في الملحق الثقافي لجريدة الميثاق: الأحد 11 دجنبر 2000.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.