tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة
ميمي نت

آخر الأخبار

آخر الأخبار
2. قالوا عن السلم: * "لا يوجد طريق للسلام، فالسلام هو الطريق." (مهاتما غاندي) - * "من يُريد السلام يجب أن يُستعد للحرب." (أرسطو) - * "السلام هو زهرة تنمو من التربة التي تسمى الحب." (ليون تولستوي) - * أستطيع أن أكون الأسوأ دائماً، لكنني أملك قلباً يرفض جرح الآخرين. (نيلسون مانديلا) - * "نتيجة الحروب خلق اللصوص ونتيجة السلام قتلهم" (جورج هربرت) - * " كان ديكان يعيشان في سلام حتى ظهرة دجاجة" (مثل فرنسي) - * "السلام هو الأم المرضعة لكل بلد" (هزديوس) * القلب المتمتع بالسلام يرى عرسا في كل القرى" (مثل هندي)

الأربعاء، 29 يونيو 2022

قال لي صاحبي: عندما اعتقدوا أنهم دمروه، أتاهم الدمار من حيث لا يحتسبون. فعندما تفشل في بناء ذاتك، فإنك لا شعوريا ستسعى لتدمير غيرك. والله أعلم"

قال لي صاحبي: "الشر قاس ومدمر ولا يرحم، نراه في الحروب المدمرة، والعواصف البرية والبحرية، وفي الجرائم المبررة وغير المبررة، وفي العنف اللفظي والرمزي.. عندما يؤذي الشر حتى ولو كان بحجم حبة عدس، فإن أثره يدوم طويلا، ولا ينسى أبدا، وقد ينتقم الشر من الشر. الخير رخو وضعيف وهزيل لا حول له ولا قوة، تراه نراه في الصدقات والهبات والمساعدات المادية والمعنوية.. عندما يضَمد الخير الجروح الخفيفة أو الغائرة فإن أثره يزول بسرعة، ثم ينسى نهائيا كأنه لم يكن أبدا. والخير لا ينتقم من الخير، وليته يفعل. والله أعلم."


 

الثلاثاء، 28 يونيو 2022

مقاربات نقدية: 27. حكايات الهوية قراءة في المجموعة القصصية "صرخة مونش" لمحمود الرحبي*

"كان سلوكي دائما على شفا هاوية ولم تكن حياتي إلا للبقاء واقفا".

دفارد مونش

1. إضاءة

هناك مؤلفات أدبية تَغويك قراءتها، تستمتع بها، ثم تضعها في رفّ مكتبتك، قد تعاود قراءتها من جديد، وقد تنساها إلى الأبد. وهناك مؤلفات أخرى تتضاعف فيها الغواية والإغراء فتدفعك للكتابة عنها لتُحقق مزيدا من المتعة والفائدة. وما يجعل قراءة عمل أدبي مثمرا حقا هو أن تكون هناك معرفة ولو محدودة بمؤلفها. صحيح أن العمل الأدبي هو الذي يتحدث عن نفسه ولكن إضاءة ولو كانت وامضة من الخارج تزيد من وهَج الإبداع، كما أن القارئ المتمرّس يثري بتجربته النص بسد الفراغات والبياضات التي يتركها المؤلف، وبالتالي يصبح المتلقي طرفا في العملية الإبداعية. (1) ويرى أمبرتو إيكو أن الظاهرة السردية تحتاج دائما إلى قارئ يعتمد آليات التعاون النصّي التي تمكنه من التواصل مع النصوص بفعّالية وإيجابية. (2)

في تفاعلنا مع المجموعة القصصية "صرخة مونش" للكاتب محمود الرحبي اخترنا لمقاربتها عنوان "حكاية الهوية"، ما أملى علينا هذا الخيار هو أن مجمل الحكايات تحيل على بيئة الكاتب الاجتماعية والجغرافية/الأردن. وسنحاول الكشف عن ارتباط الحكايات ببيئتها من خلال خمسة مداخل وهي: العتبات والتيمات/الموضوعات والشخصيات والأمكنة والمنظور السردي.

1. العتبات

سنتوقف في هذا المدخل عند ثلاثة عناصر تظهر على الغلاف هي: العنوان والصورة والتجنيس. وهي أول ما يواجه القارئ حين يلتقي لأول مرة بالكتاب فيتفاعل معها سلبا أو إيجابا.

2/أ. العنوان

تكمن أهمية العنوان في كونه جامع للمعاني والدلالات، ويشع بالإيحاءات. ومن وظائفه خلق أفق الانتظار لدى المتلقي، إنه بمعنى ما هوية النص/المؤلف، لدى أصبح يحضى باهتمام النقد من خلال تخصص في الأدب يسمى "اتْريلُوجي" Trilogie (يترجمها البعض ب "العنوانيات") ومن مهام هذا التخصص دراسة العناوين والكشف عن بنياتها ودلالاتها ودرجة تحقيقها للنجاح أوالإثارة أو التشويق. (3)

اختار محمود الرحبي عنوانا يحمله النص الافتتاحي للمجموعة القصصية: "صرخة مونش". ولم يكن الاختيار اعتباطيا أو مصادفة طبعا بل هو اختيار واع لما يتضمنه من دلالات وأبعاد رمزية، وحمولات تاريخية وفنية ونفسية تضع الكاتب في حالة شغف للقبض على صرخة مونش الأسطورية والتي تمتد على صفحات المجموعة متماهية مع صوت السارد مع فارق هو أن صرخة مونش جامدة وصامتة وصرخة /صوت السارد حية ومتفاعلة ومتجددة.

2/ب. الصورة

إن الصورة التي يحملها الغلاف هي لوحة مونش الشهيرة،  وهي رسالة بصرية ذات وظيفة مزدوجة: وظيفة فنية جمالية تزيينية. ووظيفة دلالية تختزل المضمون، وتلمح للرهان. وجاءت الصورة منسجمة مع العنوان. إنهما وجهان لعملة واحدة. (4)

2/ج. التجنيس

في أعلى الصفحة من الغلاف وضع الكاتب على يسار الصورة/اللوحة عنوانا صغيرا داخل مستطيل صغير (قصص)، وبهذا التوصيف فإن الكاتب يزيل اللبس ويضع المتلقي في جوهر الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه الكتاب (فن القصة القصيرة). إنها دعوة صريحة للقارئ بأن يتعامل مع النصوص بأدوات ومفاهيم هذا الفن حتى لا يقع في انحرافات تأويلية تبعده عن رهانات الكاتب، ومع ذلك فهذا التوصيف لا يلغي حق القارئ في التعامل مع النصوص على ضوء تراثه الثقافي، وتراكماته المعرفية، ودرجة حساسيته الوجدانية وذائقته الجمالية.

3. المقاربة

انسجاما مع العنوان الذي اخترناه لهذه المقاربة والهدف الذي حددناه لها سننطق مما سميناه ب "حكاية الهوية" أو ما يسميه بول ريكور "الهوية السردية" والتي تتشكل وفق ثنائية الواقع والمتخيل. يقول زهير الخويلدي: "إن جماعة تؤسس هويتها على السرد لا يهددها أي شيء، ولا تتعرض لأي مخاطر، فهي بعيدة كل البعد عن الانغلاق والتقوقع، وعن معاداة الأجنبي، وهي قادرة على احتمال التواجد مع الغريب والمدهش". (5)

3/أ. التيمات/الموضوعات

تنوعت الموضوعات التي شكلت متن التجربة السردية فتوزعت بين ما هو اجتماعي وعاطفي ونفسي وقيمي ومعرفي، وهي في كليتها ترتبط بالعجز والتوكل والفرح والتحرر والانتماء والألم والانتقام والضياع والحب والوعي والمعرفة والافتقاد والحلم.. إنها تيمات ترتبط بقيم إنسانية عمل الكاتب على تشريحها ونقدها وتثمينها من أجل، وفي بناء أفق بناء مجتمع إنساني متفاعل ومتعاون ومتفاهم ومتسامح.. والملاحظ أن هذه التيمات أو الموضوعات تجد مرجعيتها في بيئة الكاتب مما يدلل على انشغاله بالدفاع وحماية هويته المحلية، ومع ذلك فهذه الهوية بعيدة عن الانغلاق والانطواء. وتتجلى هذه الهوية في عنصرين أساسيين هما: المرجعيات والرهانات.

3/ب. المرجعيات

لكل مبدع مصدر يستمد منه إلهامه ويكون خلفية لموضوعاته وتجاربه الإبداعية. وفي "صرخة مونش" تتحدد في ثلاث مرجعيات كبرى هي:

الأولى: الواقع المعيش كما في نصوص "غناء النخيل"، "سدول الليل"، "وليمة في بيت حسن".. ويمكن توصيفها بالواقعية.

الثانية: الأسطورة أو الخرافة المرتبط بالتراث الحكائي الشعبي العربي، ويتمثل في نصين "الحجل العربي" و "صفحة من خيالنا" وهذا النمط من السرد ينتمي إلى ما يسمى بأدب الغرابة أو العجائبية.

الثالثة: هي مزيج من الواقعية والأسطورة. وهذه الظاهرة هي التي تحدد ما يتعارف عليه بالهوية السردية أو حكايات الهوية. ففي ثقافتنا العربية الإسلامية تتحطم ثنائية الواقعي والأسطوري ليشكلا معا حقيقة ثابتة وواقعية. وانطلاقا من هذه الرؤية فإن تجاور الواقعي والأسطوري في بنية الحكاية عند محمود الرحبي يأتي منسجما مع ثقافته العربية الإسلامية الشفهية منها والعالمة، وبالتالي إثراء هويته الثقافية المحلية.

3/ج. الرهان

الكتابة هي رسالة أو مجموعة رسائل موجهة من كاتب إلى قارئ محتمل أو مفترض، ولتحقق المجموعة القصصية "صرخة مونش" هدفها فقد تبنت  رهانين:

الأول: انشغال الكاتب بصوته له فلسفته ورؤيته الخاصة لواقعه ويسعى لإسماع صوته للأخر، وهو صوت مشحون بصرخة احتجاج، ألم ، معاناة في مجتمعه يتحمله الكاتب بعشق ويتطلع أن يراه أفضل.

الثاني: الانشغال بهويته المحلية بالتبئير على ما هو أصيل وذلك انطلاقا بوعيه  بأن هذا التوجه في الإبداع هو من يمنحه هويته وخصوصيته وتفرده. ويتجلى هذا الاهتمام برصد الكاتب لتفاصيل المعيش اليومي في البادية، كما رصد سماتها الثقافية والاجتماعية المميزة.

4. الشخصيات

تعتبر الشخصية من العناصر الفاعلة في بلورة وتشكيل العمل القصصي، وهي، إلى جانب انشغالاتها الذاتية تعكس فلسفة الكاتب وهمومه ورؤيته للعالم.

في عوالم "صرخة مونش" نتعرف على أناس يعيشون في بيئات متنوعة متنوعة، متشبعين بمعتقداتهم، متشبثين بنمط حياتهم، ورغم اختلاف ثقافتهم وأمزجتهم ووعيهم بدواتهم وبالعالم الذي يحيون فيه إلا أنهم يشتركون جميعا في  إرادة العيش. وتتأصل هوية الشخصيات من خلال أسمائهم المميزة: "سالمين"، "العم كليب"، "هجير مات".. ومن خلال أفعالهم ونظرتهم للحياة، وطبيعة العلاقات القائمة بينهم. ويمكن رصد بعض سمات الشخصيات كالتالي:

* الفنان الحالم بالشهرة الفنية (أخ السارد في نص "صرخة كونش")

* الإنسان البدوي العاشق للفن والجمال (سالمين في نص "غناء النخيل")

* المرأة الحكيمة التي عاشت في الحياة ما يكفي لتملك الحكمة وتنقلها إلى أحفادها (أم فاطمة في نص "بطن الذهب")

* الإنسان الحائر والتائه الذي قادته غريزته وفطرته وتجربته في تجاوز وضعه المأزوم. (أب السارد في نص "سدول الليل")

إن السارد يميل إلى تقديم أبطاله على طبيعتهم دون روتوشات، وهي في مجملها تنتمي إلى وسط اجتماعي متواضع..

5. الأمكنة

المكان في النصوص السردية  ليس مجرد جغرافية فحسب، يجري فيها السارد أحداث الحكاية ومجالا تتحرك فيه الشخصيات، بل إن للمكان دور في تشكيل الشخصية اجتماعيا ونفسيا وبدنيا وفكريا. إن الشخصية والمكان عنصران متلازمان، يتفاعلان ويتبادلان التأثر والتأثير إيجابا أو سلبا. وبالنظر إلى الأفضية المكانية في المجموعة القصصية لاحظنا أنها تنتمي إلى بلد الكاتب وتتوزع بين المدينة والبادية وإن هيمنت هذه الأخيرة  بما ينم عن ارتباط الكاتب وجدانيا وثقافيا بها. فمعظم الوقائع أو الأحداث تجري في القرية أو ما يوحي بها. ومنها: "قرية السيب"، "صور"، "ساقية الفلج" الذي ذكرها في حكايتين، والأسواق التي بلغ عددها ثلاثة وهي: "الخوص"، "الفلج"، "صبخا"، إضافة إلى الجبال، وغابة "جوزاني.. أما الأمكنة التي تحيل على المدينة فهي ناذرة "ولاية عبير"، "ولاية هبلا"، "نزوى" و"عمان".

لقد شكل المكان عنصرا وعلامة بارزة في ربط الكاتب ببيئته مما أضفى على المجموعة القصصية أصالة ومنحها هوية. وأشار غاستون باشلار على أهمية المكان كمحدد للهوية قائلا: "العمل الأدبي حين يفتقد المكانية فهو يفتقد خصوصيته وبالتالي أصالته". (6)

6. المنظور السردي

يحضر السارد كشخصية فاعلة في الأحداث ضمن عشر نصوص من أصل إثنا عشر نصا.هذا الحضور يومئ إلى ما يسميه دولوزيل "التماثل الوظيفي بين السارد والشخصية في الحكي بضمير المتكلم". (7) فالسارد ينهض بوظيفة السرد والشخصية وتؤدي وظيفة الفعل.

ويغيب السارد في خمسة نصوص حيث ينزاح ويحضر وسيطا يتكلف بسرد الأجداث، وهذا يساعد كلا من السارد والوسيط على فهم حياتنا بطريقة موضوعية. (

ويحضر راوٍ يحكي عن غيره في نصين: "الحجل العربي" و "النصف"، ويستهل سرده بفعل "يُحكى"، وهو من الأفعال السردية المتواترة في الحكايات الشعبية مما يدعم هوية حكايات "صرخة مونش".

ويتخذ وضعية مزدوجة كسارد غائب، وسارد ينقل عن راوٍ موظفا فعل "يُحكى" في نص واحد "هجير مات". عموما فإنه يصعب الفصل بين المؤلف والسارد لأن "السارد هو شخصية يتقمصها المؤلف". (10)

على سبيل الختام

ما يميز المجموعة القصصية  "صرخة مونش" هو انطلاقها من هويتها المحلية لتنفتح على العوالم الخارجية مستثمرة المخيال الجماعي والأصوات المهمشة في مسعى لسبر أغوار "ما في الحياة من كلية خفية". (11) وبالتالي فهي تشكل إضافة نوعية إلى سجل ثقافتنا العربية. ففي عالم تهيمن فيه العولمة وتتمدد في جزئيات حياتنا نكون في أمسّ الحاجة إلى فن يدعم هويتنا، ويثمن خصوصيتنا وهذا ما نجح فيه محمود الرحبي.

المصطفى فرحات

2020

*****************************************************************************

* منشور في مجلة نزوى: العدد 102 أبريل 2020. ص 243

1. أحمد المديني: تحت شمس النص، مطبعة النجاح الجديدة، ط/1، 2001، ص 203

2. Eto Amberto : lector in fabula, grasset, 1985, p 29.

3. Claud Duchet La fille abandonnée, n° 12, 1973, p 52

4. لوحة الصرخة لإدفار مونش (1863-1944) التي رسمها عام 1893 تصور الألم الخاص بالحياة الحديثة، وهي تعبر عن القلق الوجودي.

5. زهيرر الخويلدي، الهوية السردية والتحدي العولمي، منشورات أي وكتب، لندن، بدون، تاريخ، ص 110.

6. غاستون باشلار: جماليات المكان، ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط/3، 1987، ص 5-6.

7. جاب لينفت، مستويات النص السردي الأدبي، ترجمة رشيد بنحدو، آفاق، عدد 8-9، ص 81-82.

8. Jean pouillon, Temps et Roman Gallimard, 2em eddition, 1964, p 86.

9. فرانسوا فان روسو، وجهة النظر أو المنظرور السردي، نظريات وتصورات نقدية، نشر ضمن كتاب نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير، ترجمة ناجي مصطفى، منشورات دار الحوار الأكاديمي المغربي، 1989، ص7.

10. محمد الخبو: الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة، دار صامد، تونس، 2003، ص 248.

11. جورج لوكاتش: نظرية الرواية، ترجمة الحسين سبحان، منشورات التل، ط/1، 1988، ص 25.

 

 

 

السبت، 25 يونيو 2022

قال لي صاحبي: "إذاكنت عدوا لنفسك فلن تحتاج إلى أعداء لتضيفهم إلى لائحة أعدائك. إذا كنت صديقا لنفسك فلن تحتاج إلى أصدقاء لتضيفهم إلى لائحة أصدقائك. إذا أحسنت إلى نفسك، فلن تحتاج إلى من يحسن إليها. وإذا أسأت إلى نقسك فمن السهل أن تتحمل إساءة الآخرين إليها.وإذا بعت نفسك خسرتها وخسرت المال الذي حصلت عليه من مشنريك...وهلم جرا. والله أعلم."

بلدة ابزو: الموسم الدراسي 1970-1971. للزمن حال وأحوال...





 

الثلاثاء، 21 يونيو 2022

مقاربات نقدية: 26. تأصيل الأصيل ومحاورة الحداثة قراءة في ديوان "أزيز الصمت" للشاعر المغربي المختار السعيدي*

عتبة 

عن دار الوطن صدر للشاعر المغربي ديوان "أزيز الصمت" الطبعة الأولى 2012، ويتضمن (22) نصا شعريا، وإذا أضفنا الإهداء الذي صاغه الشاعر شعرا يصبح عدد النصوص (23) نصا بعدد صفحات بلغت (73) صفحة من الحجم المتوسط. وتُتوزع النصوص بين شكلين: قصائد عمودية بعدد (16) نصا، وقصائد التفعيلة ب (6) نصوص. وانطلاقا من عنواننا المركزي "تأصيل الأصول ومحاورة الحداثة" سنقارب التجربة الشعرية في ديوان "أزيز الصمت" من خلال خمس مداخل وهي:

1. دلالة العنوان وعلاقته بالتجربة الشعرية ككل

2. علاقة الشاعر بالشعر من حيث المفهوم والمنظور والتطبيق

3. التيمات أو موضوعات التجربة الشعري

4. الإيقاع الشعري في القصيدة العمودية وتجليات الأصالة والتأصيل

5. شعر التفعيلة ومحاورة الحداثة

1. العنوان وعلاقته بالتجربة الشعرية

إذا كانت كلمة "أزيز" تعني الصوت الخفيض الحاد لم يرد إلا مرة واحدة وجاء متعلقا بكلمة "الصمت" التي تعتبر من أكثر المفردات تواترا في الديوان حيث تكررت (33 مرة). هذا بغض النظر عن مترادفاتها وفي أغلب النصوص كما حضرت في ثلاثة عناوين وهي: "جدار الصمت" و "خليل الصمت" و "أزيز الصمت" الذي اختاره الشاعر عنوانا جامعا لديوانه، وبهذا الحضور الكمي يتربع "الصمت" عرش المفردات المتواترة في الديوان، وبهذا الزخم يكاد يكون إلى حدّ بعيد رافعة التجربة الشعرية، والمحفز عليها، مما يدعونا إلى طرح السؤال: كيف يفسر هذا الحضور الكمي لمفردة "الصمت"؟

يبدو من خلال بعض المؤشرات والإشارات الواردة في الديوان أن الشاعر عانى تجربة الكتمان بحدة قبل أن يتحول لتجربة البوح. ففي كثير من القصائد ما يدل على أنه كان يدمن الصمت اعتقادا باعتباره تقية تحميه من المتطفلين والمتربصين قبل أن يدرك أن الصمت خيار الجبناء، ولعنة. يقول على لسان المعري:

لعنة الصمت حين غدا انتحارا * وقدسته ورفعت ذكره

(الديوان: ص 66)

لذا قرر الشاعر التمرد على "الصمت" والتخلص من لعنته التي رافقته أمدا، ويستبدله بالبوح  والإفصاح عما كان مسكوتا عليه، والنتيجة هذه التجربة الشعرية التي نحن بصدد مقاربتها.

2. علاقة الشاعر بالشعر

عندما تقدم مدرسة شعرية أو اتجاه شعري أو شاعر ما منظوره للشعر سواء في شكل مفهوم أو بيان فتلك أشارة إلى نضوج الوعي الشعري مما يسمح له بتأطير تجربته الشعرية من حيث مقوماتها الجمالية ورسالتها الفكرية وأصالتها ومسارها وآفاقها.. وفي ديوان "أزيز الصمت" رغم أن الشاعر لم يصغ مفهوما صريحا إلا أن مؤشرات عدة ترشدنا لكي ندرك مفهومه ورؤيته وتصوره وعلاقته بفن الشعر. فانجذاب الشاعر للقصيدة العمودية والنسج على منوال الأقدمين على مستويات عدة على حساب القصيدة الحداثية يؤشر على ارتباطه مقاييس الشعر القديم خصوصا على مستوى الشكل.

وبتتبعنا لبعض الأبيات التي يصرح فيها بعلاقته بالشعر نستنتج أن الشاعر يصنف نفسه في خانة الشعراء المطبوعين. فالشعر يأتيه عفوا وبدون تكلف أو تصنع، يأتيه على شكل إلهام وإشراقات عندما يكون أحوال خاصة: الألم، المعناة، النشوة، الرهافة، الأحساس بالظلم... يقول مفتخرا ومعتزا بموهبته الشعرية المتفردة:

فلقد كنت أبذر الحرف في أر * ض خلاء فيزهر الشعر حالا

ولقد كنت أنشد الشعر ليـــلا * فيقوم الكون الأصم ابتهــــلا

(الديوان: ص 72)

3. التيمات/الموضوعات

تنوعت التيمات أو الموضوعات التي اشتغل عليها الشاعر في الديوان الذي جاء غنيا بالمضامين والمواقف والرؤى. ويمكن تصنيف هذه الموضوعات إلى أربعة محاور شكلت الذات الشاعرة مركزها وهي:

 

المحور الأول: ذاتي وجداني. ومن قصائده (الأمل المذبوح ـ أزيز الصمت ـ ذكرى ـ خليل الصمت ـ أمطري أملا ـ عذرا لها ـ جار الغياب ـ إني راحل ـ ومشينا النار.

المحور الثاني: ذاتي وطني. حيث يتجاور عشق المحبوب مع عشق الوطن ليضاعفا معا معاناة ومكابدات الشاعر. قصيدة: جرحان.

المحور الثالث: ذاتي ـ إنساني. في هذه النصوص يحتفي الشاعر بالإنسان ويعترف لأشخاص تربطه بهم علاقة خاصة قوامها المعرفة والفكر والثقافة والتربية بما أسدوه للأجيال من جميل الفعل ومن واجبهم أن يفتخروا ويعتزوا بهم. قصيدتا: محاورة مع البلاغة ـ ستون قطرة من العمر.

المحور الرابع: ذاتي ـ قومي. وفي هذه النصوص يتناول قضايا أمته العربية، ويبدي تعاطفا معها معلنا مواقفه من أعدائها، واصطفافه إلى جانب قضاياها العادلة. وهو لا يخفي هذا الإنتماء العروبي. يقول:

عربي في فرحتي واكتئابي * عربي في ألفتي واغترابي

وتندرج تحت هذا المحور القصائد التالية: نحيا كراما أو نموت كراما ـ اسقني إرهاب الحداثة ـ رسالة إلى سرت ـ اغتيال الحرية ـ فينيق قرطاج ـ رسالة صدام قبيل الإعدام ـ أيها العربي اخلع نعليك ـ زئير المعري ـ عانقته والموت قبّله). وتناولت هذه النصوص قضايا الشعب العراقي والفلسطيني والربيع العربي والثورة التونسية وأحداث ليبيا.

لقد كان الشاعر قريبا من ذاته وقضايا أمته، ولم يكتف بالنوصيف والإخبار بل كان جريئا في مواقفه، صريحا في آرائه، بليغا في تعبيره، شاعرا في أحاسيسه ورؤاه.

4. الإيقاع الشعري وتأصيل التجربة الشعرية

إذا كانت المعاني مطروقة في الطريق كما قال الجاحظ فإن الأسلوب هو ما يميز المبدع أو الرجل كما قالت "مس اشتاين". وهنا مكمن أصالة تجربة الشاعر المختار السعيدي. الذي اختار أن يصب هذه التجربة في قالب شعري كلاسيكي/ الشكل العمودي مما ساهم بشكل كبير في تأصيل هذه التجربة وربطها بجذورها الثقافية العربية. ولأن الشكل الفني هو الذي يجلي هذه الخاصية فقد تتبعنها في أهم عناصرها وهي الإيقاع واللغة.

1. الإيقاع: هو مصطلح جامع للعديد من المظاهر الصوتية والنغمية والموسيقية للقصيدة  ومنها الوزن والقافية ومكوناتها والتصريع والتكرار والتواازي وغيرها.

وسنتوقف عند بعض هذه المظاهر:

1/1. الوزن: وهو تردد الوحدات الصوتية المتشكلة في التفعيلة ويرمز لها بالمتحرك والساكن. وفي هذا الإطار نظم الشاعر على أوزان متنوعة تتناسب ومقتضيات التجربة الشعرية المتمثلة في الموضوع الشعورية ـ النفسية. وإذا قمنا بجرد لهذه الأوزان ورتبناها بحسب عدد المرات التي تكررت في الديوان بما في ذلك الإهداء سنحصل على المعطيات التالية: الكامل (8)، المتدارك (5)، البسيط بصورتيه التام (3) والمجزوء (1)، الوافر (2)، الخفيف (1)، السريع (1)، المتقارب (1). والنظم على هذه الأوزان يدل على الأريحية التي يشعر بها الشاعر في هذه الإيقاعات، وما يزكي هذا الاستنتاج هو طول نفسه خصوصا في بحر الكامل حيث بلغ عدد أبيات قصيدة "رسالة صدام قبل الإعدام" (40 بيتا)

ومع أن الشاعر زواج بين الأوزان المختلطة والأوزان الصافية إلا أن هذه الأخيرة هيمنت، خصوصا البحر الكامل والمتدارك. وما يميز هو أنه الأوزان الدالة على الشجن  والعشق والرومانسية والفروسية، وهو وزن/بحر قوة وجزالة وجمال لاطراد نغماته الإيقاعية المنسابة والمتدفقة. أما المتدارك فهو من الأوزان الخفيفة والمتدفقة والسريعة خصوصا عندما يتحول خببا (فَعْلُنْ). ويناسب النفس القلقة والمتوترة والشديدة الانفعال.

1/2. القافية: وهي المكون المكمل لإيقاع البيت الشعري، وفيها يصل الإيقاع إلى أقصى مداها خصوصا إذا توفر الانسجام الصوتي بين حروفها الذي يشكل الروي والردف والتأسيس أبرز عناصرها. وفي استقرائنا للقوافي المعتمدة في الديوان نستنتج ميل الشاعر لاستعمال القوافي المطلقة ويتفادى القوافي المقيدة (3) قوافي مقيدة مقابل (13) قافية مطلقة. ويمكن تصنيف هذه القوافي بحسب حروفها إلى نوعين: (9) قوافي مردوفة، (7) قوافي خالية من الردف والتأسيس، والملاحظ هو خلو النصوص من القوافي المؤسسة.

1/3. الروي: هو النبرة أو النغمة التي ينتهي بها البيت ويلتزم الشاعر بتكراره في أبيات القصيدة. وظف الشاعر (5) حروف من المعجم العربي دعما للقافية وهي: اللام (4 مرات)، الميم (3 مرات)، النون (3 مرات)، الراء (3مرات)، الباء (مرتين). ومن خاصية هذه الحروف/الأصوات (الراء والميم والنون والباء واللام الجهر، وهي أيضا من حروف الدلاقة حيث يُتلفظ بها بدون تعثر في النطق لمرونتها وسلاستها.

1/4. التصريع: وهي توافق الشطر الأول والثاني من مطلع القصيدة في الوزن والقافية والروي. وهي ظاهرة حاضرة في الشعر القديم، وكان الشعراء العرب يولون أهمية كبير للمطلع لأنه أول ما يطرق سمع الشاعر (نذكر هنا أن الشعر كان ينشد، أي أنه فن سماعي). وقد وظف الشاعر هذه الظاهرة الإيقاعية في كل القصائد العمودية بدون استثناء.

1/5. الإيقاع الداخلي: استثمر الشاعر ظاهرة الجناس والتكرار الصوتي واللفظي والتوازي مما ساهم بإبراز جماليات النص ومعانيه، بل وأحيانا يبالغ في هذا الاستثمار جريا على عادة بعض الشعراء العرب. ومن النماذج الملفتة في هذا الجانب قوله:

فاشتقت أن أشتق من شوقي شقا * ء يرتقي بي شرفة الإشراق

(الديوان: ص 7)

يذكرنا بقول الأعشى (شاعر جاهلي):

ولقد غدوت إلى الحانوت يتبعني * شاو مشل شلول شلشل شول

والمتنبي في قوله:

فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا * قلاقل عيس كلهن قلاقل.

2. اللغة: وتتعمق هذه الأصالة في حضور المعجم التراثي البدوي القديم (الرحال، الطلل، البغات، النعامـ الفرس..) والمعجم الديني (صلى، ركعة، صام، الأصنام) وفي اسحضار أسماء الأعلام (أبو نواس، المعري، الحلاج...)

3. التناص:  أما ظاهرة التناص فتتمثل في استلهام الشعر القديم والقرآن الكريم ومن أمثلة النوع الأول قوله:

فدوو القرابة قد بغوا ظلما علي * نا إذا رأوا عدوا والضياء ظلاما

(الديوان: ص 9)

فصوت الشاعر الجاهلي طرفة حاضر من خلال بيته الشهير:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة * على المرء من وقع الحسام المهند

ومن أمثلة النوع الثاني قوله:

وتحركت أجسامنا من بعدما * كانت كأعجاز النخيل حطاما

(الديوان: ص 11)

وفي القرآن الكريم : "كأنهم أعجاز نخل خاوية".

هذا جزء من كل حاولت من خلاله أن أضع تجربة الشاعر في إطارها العام حيث يبدو القديم إلى جوار الحديث وهو ما أكسب هذه التجربة بعضا من الخصوصية والتميز.

5. محاورة الحداثة

رغم أن التجربة الشعرية في الديوان أصيلة ويرتبط الجزء الأكبر منها بتقاليد الشعر العربي القديم خصوصا على مستوى الشكل إلا أنها انفتحت على الحداثة وإن اتخذ منها الشاعر موقفا صريحا ومعلنا واصفا إياها بالإرهاب. يقول:

اسقني إرهاب الحداثة إني * هارب من حداثة الإرهاب

(الديوان: ص 23)

ربما يستثني منها الحداثة الشعرية، ذلك أن الديوان يتضمن ستة قصائد تنتمي لشعر التفعيلة. من حيث الشكل نظمتا على وزنين: المتدارك (فاعلن) أربعة قصائد، والكامل (متفاعلن) قصيدتين. أما من حيث المضامين فاتجهت في اتجاهين: قومي عروبي تناول فيها القضية الفلسطينية (قصيدتي: أيها العربي اخلع نعليك – اغتيال الحرية). وذاتي وجداني عبر فيها عن عاطفة الحب والحنين والشوق (قصائد: ومشينا النار ـ جار الغياب ـ أمطري أملا ـ عذرا لها).

ولأن الشاعر تجاوز على نظام الشطرين، والقافية الموحدة وحروفها (الروي الموحد وألف التأسيس والردف..) جاء الإيقاع سلسا، متدفقا، متناغما مع المضامين والحالة الشعرية ككل. ويبدو أن شعر التفعيلة كان مجالا رحبا فأفسح المجال للتعبير والبوح والكشف عن خواطر النفس والمواقف الأيديولوجية والإنسانية للشاعر. هذا إضافة إلى لغة النصوص البسيطة والسهلة التي تفصح عن المعاني بوضوح. ومن النماذج التي تدل على هذه الظاهرة قوله:

إسرائيل

تغتال الحرية

في المياه الدولية

(الديوان: ص 39)

ومع ذلك فحالة الحداثة هذه تخترقها الأصالة فيعود النفس التقليدي للبروز فتأسر القافية الموحدة وحروفها الشاعر في بعض النصوص كما في قوله:

ثار الحب الموؤود بأعماقي

فهوى الدمع المسجون بأحداقي

يسقي صحراء خدود الأشواق.

(الديوان: ص 53)

على سبيل الختام

التجربة الشعرية في ديوان "أزيز الصمت" منجذبة نحو قطبين: الأصالة، وهي ذات جاذبية قوية. والحداثة التي تحاول أن تحتل موقعا معتبرا في هذه مساحة هذه التجربة، أما الشاعر فيتموقع في منطقة شبه وسطى بين القديم الأصيل، والجديد الحديث في محاولة للموازنة بينهما وحسم خياراته.

المصطفى فرحات 

13/12/2019 

********************************************************************************************

* نشر في الملحق الثقافي لجريدة العلم 


حالة الطقس في مراكش

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة الكائن السمخي أولا: "الكتابة السمخية" 14. الكتابة السمخية والنكاح. الجزء الثالث: النكاح في الثقافة الإسلامية

1. أشهر مؤلفات الفقهاء في النكاح فطن رجال الدين لأهمية الحياة الجنسية عند الإنسان المسلم، فكتبوا العديد من الكتب تتعلق بالجنس تنقل لنا خبرات...