tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة
ميمي نت

آخر الأخبار

آخر الأخبار
2. قالوا عن السلم: * "لا يوجد طريق للسلام، فالسلام هو الطريق." (مهاتما غاندي) - * "من يُريد السلام يجب أن يُستعد للحرب." (أرسطو) - * "السلام هو زهرة تنمو من التربة التي تسمى الحب." (ليون تولستوي) - * أستطيع أن أكون الأسوأ دائماً، لكنني أملك قلباً يرفض جرح الآخرين. (نيلسون مانديلا) - * "نتيجة الحروب خلق اللصوص ونتيجة السلام قتلهم" (جورج هربرت) - * " كان ديكان يعيشان في سلام حتى ظهرة دجاجة" (مثل فرنسي) - * "السلام هو الأم المرضعة لكل بلد" (هزديوس) * القلب المتمتع بالسلام يرى عرسا في كل القرى" (مثل هندي)

الجمعة، 3 يونيو 2022

مقاربات نقدية: 24. المبنى والمعنى: قراءة في ديوان "شذرات مجنحة" للشاعرة مليكة الجباري

أولا: عتبة

سأبدأ سفري مع الشاعرة بدء من الجملة الشعرية التي عنونت بها الديوان وهي: "شذرات مجنحة" والتي تلقي بظلال إيحاءاتها على مجمل النصوص الشذرية.

يتكون العنوان من مركب إضافي، خبر حُذف مبتدأه، ومضاف إليه يصف المبتدأ لأن من شأن هذه الجملة أن تمدنا بالأدوات الإجرائية لمقاربة المجموعة الشعرية، كما تقربنا من مضامينها من خلال ما تشع بها المفردات من دلالات وإيحاءات.

أ- شذرات. فهي جاءت على صيغة جمع المؤنث السالم. وهي من الناحية المعجمية ـ حسب المعاجم العربية ـ مشتقة من الشذرة، والجمع شُذر وشذرات، واحده الشذرُ. ولها ثلاثة معاني وهي:

1. قطع الذهب تلتقط من معدنه

2. فرائد يفصل بها بين حبات العقد أو يفصل بها اللؤلؤ والجوهر

3. اللؤلؤ الصغار، الواحدة شذرة

وتعددت مترادفات الشذرة منها،: الهايكو، الومضة، النبذة، النتفة، الأشكال التعبيرية المقتضبة.

أما من الناحية الاصطلاحية فقد تعددت التعاريف، واخترنا تعريفا للناقد الألماني فريديرك شليغل الذي يقول: "إنه فن يخاطب المستقبل، والأجيال القادمة، ويظل معاصروه عاجزون في أغلب الأحيان عن فهمه وتقبله".

الشذرة إذن توحي بكل ما هو فريد وثمين وناذر، وبالتالي فنحن أمام تجربة شعرية متميزة تندرج ضمن مثيلاتها من الأشكال التعبيرية الشذرية المحببة عموما لرجال الفكر والعرفانيين والمتصوفة والفلاسفة والشعراء..

ب – مجنحة: الكلمة ترتبط في الذهن بالتحليق، ارتياد الآفاق البعيدة، اقتحام المجهول. إنها توحي بالحرية، السفر، الحلم، المغامرة، الغموض.. الشذرات إذا تحلق بنا في المجهول بأجنحة الخيال تأخذنا لعالمها لنكتشفه معها.

العنوان دعوة للسفر في نصوص لا تخضع لمنطق الألفة والعادة والمنطق والعقل، أنها تؤسس لها فضاءها الخاص المنفتح على كل الاحتمالات والممكنات.

والسؤال الذي سيحدد مسار مقاربتنا للديوان هو: ما الذي يميز شذرات الشاعرة على مستوى المبنى والدلالة والصياغة الفنية؟ وهل تحقق الرهان؟

ثانيأ: مستوى المبنى

أ- إذا قمنا بمسح للديوان على مستوى المتن وتشكلاته سنلاحظ أنه يتضمن  99 نصا شذريا يمكن توزيعها بناء على عدد أسطر كل شذرة وإن كان  البعض يربط النص الشذري بعدد الكلمات التي تتضمنها كل شذرة، وتتراوح ما بين 5 كلمات و 56 كلمة. وجاءت الإحصائيات على الشكل التالي:

عدد أسطر الشذرة

عددها الإجمالي

03

                    07                  

04

                       34

08

                       05

05   

                       25

10

                       03

06

                       19

01

                      03

نخلص من خلال هذا الإحصاء إلى مجموع من الاستنتاجات:

•         هيمنة الشكل الشذري القصير، وهو شكل يتطلب التكثيف، إنه لا يصرح بالفكرة بل يومض بها. وهو الشكل الأكثر ملائمة عن المعنى التي يتطمن حكمة أو عبرة.

•         خصت الشاعرة كل نص شذري بصفحة مستقلة، كما أنها خالية من العنوان أو الترقيم أو أي علامة أو إشارة تدل على اكتفاء النص بنفسه. بل إن النص الأول يحيلنا مباشرة على النص التالي وهكذا دواليك حتى آخر نص لتتشكل في نهاية المطاف وحدة التجربة دلاليا وزمنيا (زمن القراءة) رغم تشظيا مكانيا.

ب- يتضمن الديوان 10 صور هي على التوالي:

 

رقم الصورة      شكل الصورة                     رقم الصورة                  شكل الصورة

           01       نافذة مفتوحة على الماء               06                   كفين مخضبين بالحناء

         02      سرب غربان يحلق                        07              غربال في يد امرأة ى يظهر وجهها

           03      إوزة جاثمة فوق الماء                 08                     خشب يحترق

           04      عصفور فوق غصن                     09                     فنجان مقلوب

            05      كرسي فارغ                             10                     صورة بهلوان

بغض النظر عن المعاني التي تضمنها الصورة في حدّ ذاتها أو توحي بها في ارتباطها بمضامين الشذرات أو التجربة الشعرية ككل، فإن الشاعرة انتقتها بذائقة شعرية تتحسس مواطن الجمال وتحسه وتعبر عنه، المزاوجة بين الصورة الشعرية والصورة البصرية.

كما نلاحظ أن هذه الصور تعكس عالم الطبيعة الحية والجامدة والأشياء والناس مما يلقي مزيدا من الضوء على التجربة الشعرية ويكشف عن مصادر إلهام الشاعرة.

تفاجئنا الصورة بعد كل 9 شذرات التي بلغ عددها 99 شذرة وكأن رقم تسعة رقم سحري يؤصل التجربة ويميزها، وكأن الصورة هي قفل ومفتاح في نفس الان. كما أنها كتبت الإهداء على الصفحة رقم 9.

ثالثا: مستوى المعنى

يطرح الديوان قضايا متنوعة ارتبطت بما هو ذاتي ـ وجداني، وماهو اجتماعي- إنساني، وتأملي – ما ورائي، وإبداعي – جمالي، وقد تتفاعل هذه التيمات فيما بينها وتتقاطع وتتمازج في نص واحد.. هذا التنوع في التيمات يكشف عن رؤية للشاعرة منفتحة على واقعها في بعديه الداخلي والخارجي، أو المرئي والامرئي. وسنحاول تتبع بعض هذه التيمات من خلال طبيعة العلاقة القائمة بين الشاعرة والواقع.

1. علاقة الذات بالذات

العلاقة بين الشاعرة وذاتها تقوم أساسا على مبدإ أن ما يحدد  الذات ويمنحها هويتها هي إيمانها بالقيم التي تتبناها والالتزام بالدفاع عنها. تقول:

أصوات الغربة تحاكي حروفا

الذات قضية. (الديوان ص 33)

2. علاقة الشاعرة بالواقع

في هذا الإطار يحضر المعجم الدال على انشغالات الشاعرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والوجودية مثل: (البرلمان-الحكم- الوطن-الاحتجاجات- الديمقراطية- العولمة...الحق – الخير- الظلم- الحرية- الوجود- الحياة – الفشل – الجمال..)

3. علاقة الذات بالإبداع

البحث عن القصيدة المثالية هو حلم كل شاعر، وهذا ما يفسر الاستمرار في الإبداع ويحفزه. فالعلاقة بين الشاعرة والقصيدة مبهمة وغامضة تعقد التواصل بينهما. تقول:

أيتها القصيدة

بيني وبينك فجوة بدون فهم. (ص 34.)

4. علاقة الذات بالطبيعة

كما تحضر الطبيعة كمكون أساسي يلهم الشاعرة ويمدها بالفكرة والصورة. تقول الشاعرة:

سأسرد حكاية سحابة

أمطارها هدايا لعيون الفرح

والأحزان قرابين ترقص للجفاف. (ص/27)

رابعا: المستوى الفني

يقول الشاعر الفرنسي مالارميه: "الآلهة تجود علينا بمطلع القصيدة وعلى الشاعر أن يكمل ما تبقى". الشعر ليس إلهاما فحسبُ فهو أيضا معاناة وصناعة ودربة على الشاعر أن يدرك أذوات اشتغال الشعر وأن يوظفها ببراعة بحسب مقتضيات التجربة الشعرية. والشاعرة مليكة الجباري ـ بحكم تمرسها ـ وظفت ببراعة التقنيات التي تتطلبها القصيدة وساهمت في بناء شعرية النصوص منها: التكثيف، الاقتضاب، الاحتفاء بالإنزياحات، وتوظيف الرمز والإشارات والإيماءات والتناص، والاحتفاء بالإيقاع في بعض الشذرات..وسنقارب جانبا من هذه الأدوات من خلال تحليلنا للنموذج التالي:

ابتعد عن ليل لا فجر له

وابتعد عن مساء لا يجعلك تعشق غروبه

وابتعد عن كل

من يعتبرك مسبحا لأفكاره

الحب في عيونك تفهمه

كل اللغات دون قواميس. (ص 48).

لنتأمل الشذرة على مستوى التركيب

توازن وتوازي  بين الجمل الفعلية والجمل الاسمية، ثلاثة جمل لكل منهما.

* تتحدث الشاعرة بلسان الحكيم الذي اختبر الحياة وجربها وانتهى للقول الفصل، إنها حكمة تود أن تقاسمها مع الآخر ليغني حياته..

* اختارت أن تخاطب الآخر بأسلوب الأمر الذي انزاح عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي ليفيد النصح والإرشاد..

* كررت فعل الأمر ثلاث مرات للتأكيد والإقناع وحتى لا تترك لمخاطبها مجالا للشك والتردد في قبول الحكمة.

* توظيف الانزياح من خلال استعمالها للمجاز المرسل المتمثل في كلمة "المسبح" الذي يدل على المساحة التي يود الأخر أن يحتلها في دواتنا.

* وظفت عنصر الزمن لخلق التقابل والمفارقة بين الأزمنة لتبليغ الفكرة فاستحضرت ثلاثة أزمنة:

الليل: قبر النهار ومدفنه.

المساء: لحظة احتضار النهار .

الفجر: لحظة عودة الحياة للنهار.

هذا التوظيف لعنصر الزمن لتبليغ الفكرة يعكس قدرة الشاعر على خلق أجواء إيحائية تبعث على التفكير والتخييل وبالتالي توليد المتعة. المساء يشعرنا بالأفول والغياب والتفكير في الموت لذا تدعونا الشاعرة إلى تجاهله، ولكن في المساء ما هو جميل أيضا وهو ما تدعونا إلى تأمله. الليل الممتد الذي لا نهاية له يمثل الغياب ذاته، الموت في صورتها الكاملة وتحذرنا من الاقتراب منه، وحده الليل القصير الأمد يمكنا أن نقبله لأن له نهاية. الفجر هو لحظة انبثاق النور من الظلمة..إنه الأمل المنتظر.

على مستوى الدلالة

تبلغ الشذرة مجموعة من الرسائل:

* الدعوة إلى التميز والتفرد والدفاع عن القناعات الشخصية لأنها هي من يحدد هويتنا. إنه تنفرنا من الآخر الأناني الذي يدمرنا من الداخل.

* الدعوة إلى الحب الذي يعبر عن نفسه بعفوية وتلقائية، الحب الفطري الطبيعي الصادق وليس الحب المصاغ في قوالب لغوية جوفاء، أو أسلوب إنشائي فارغ، إنه الحب الذي لا اسم له.

* الدعوة إلى التفاؤل والأمل والإقبال على الحياة

إن الشاعرة ـ من خلال هذه الشذرة ـ تحدس بفنية عالية مواطن الجمال سواء على مستوى التعبير أو الصورة.

خامسا: الرهان

جاء في الإهداء الذي كتبته الشاعرة: "أنا الشاردة بين سطور الصباح والمساء، أبحث عن تحرير الكلمات من ثنايا القرارات المقيدة بقصد أو بغير قصد بحبل الأسئلة والأجوبة السابحة في نهر الخرافة". (ص/9)

ارتأينا أن ننطلق من هذه المقولة التي صيغت بأسلوب شعري بليغ لنرى مدى تحقق هذا الرهان في نصوص الشاعرة الشذرية وخلصنا إلى مايلي:

1. ديوان "شذرات مجنحة" تجربة جريئة، فالشاعرة قدمت نفسها من خلال شكل شعري جديد روّدته ليلائم تجربتها الشعرية، وهذا الفعل الجريء له متطلبات وهي الوفرة في اللغة، القدرة على التخييل وتجسيده وتمثيله في صياغات لغوية وصور شعرية، ورؤية منفتحة على الخارج، ورؤيا قادرة على استكناه الباطن، والتأمل الذي  يبحث عن أصول الأشياء وحقائقها المخفية بعناية وليس التوقف عند مظاهر الأشياء لتوصيفها والتوقف عند وظائفها.

2. تتطلب الكتابة الشذرية أيضا نقاء الذهن وصفاء النفس وإدمان التأمل لاقتناص الفكرة الشاردة المنفلتة.

3. البحث عن أشكال جديدة هو دلالة على أن الشاعرة تبحث عن الشكل الأمثل الذي يستجيب لتجربتها الشعرية التي ستبقى على الدوام مجنحة. والبحث عن شكل جديد يتطلب مضمونا جديدا ليتحقق الانسجام بين الشكل والمضمون لما بينهما من علاقة تواشج. تقول الشاعرة مخاطبة القصيدة:

أيتها القصيدة

بيني وبينك فجوة دون فهم. (الديوان ص/34)

على سبيل الختام

ويبقى البحث عن الأنقى والأمثل والأجمل هو مشروع كل مبدع حقيقي يسعى إلى الارتقاء بإبداعه، مبدع يؤمن برسالته الثقافية والحضارية والإنسانية. وهذا ما نجحت فيه الشاعرة مليكة الجباري.

المصطفى فرحات

07/04/2019


مقاربات نقدية: 23. البعد الدلالي والجمالي في ديوان "شبيهي في التيه" للشاعر عبد العزيز أمزيان

 عتبة

عن إديسيون بلوس صدر للشاعر المغربي عبد العزيز أمزيان ديوان بعنوان "شبيهي في التيه" وهو من الحجم المتوسط، يتكون من 111 صفحة، ويتضمن 15 عنوانا.  والملاحظ أن هذه العناوين جاءت جميعها جملا اسمية مع تكرار بعض المفردات في هذه العناوين كاليد والغيمة والريح والصدى. غياب الجمل الفعلية التي تستدعي الفعل والحركة وحضور الجمل الاسمية التي تستدعي الهدوء والسكون هو إشارة دالة على انشغال الشاعر بالتفكير والتأمل، وهي أيضا دعوة للإنصات بهدوء وحكمة إلى تجربته الشعرية والتي سنعمل على مقاربتها من خلال محورين اثنين: البعد الإنساني والبعد الجمالي.

المحور الأول: البعد الإنساني

تنفتح التجربة الشعرية في "ديوان شبيهي في التيه" بشكل لافت على الآخر/الإنسان الذي يشكل بؤرة هذه التجربة ومداراتها فمنحها بعدها الإنساني باعتبار هذا الآخر كائنا حاملا لقيم المحبة والصدق  والوفاء والعدالة والإيثار وغيرها من القيم السامية والتي يطمح كل خيِّر في تجسيدها على أرض الواقع.

سنحاول في هذه المقاربة الكشف عن علاقة الشاعر بالآخر استنادا إلى ما تقدمه النصوص من مؤشرات ظاهرة أو خفية لتعيين هذا الآخر/ الإنسان إما تصريحا أو تلميحا متخذين من الضمائر مدخلا لهذه المقاربة حيث يحضر ضميرا مخاطبا، وضميرا غائبا، أو تتقاطع الضمائر فيما بينها بالانتقال من ضمير المخاطب إلى ضمير المتكلم.. كما تتماهى الذات الشاعرة مع هذا الآخر ليشكلا وحدة يتقاسمان نفس الحالات ونفس الوقائع ونفس المصير...فيخاطبه الشاعر ب "الصديق" و "الصاحب" و "الشبيه". ويظهر الآخر أيضا اسما صريحا في الإهداءات التي خص بها بعض النصوص.

بناء على هذا سننطلق من سؤال مركزي هو هي تمثلات الشاعر عن هذا الآخر/الإنسان والذي فرض حضوره في تجربته الشعرية بهذا الزخم؟

لن يكون بوسعنا الإحاطة بكل الأبعاد التي حضر بها هذا الآخر في هذه التجربة ولكن سنحاول استجلاء الصور البارزة التي تجلى بها والمتمثلة في:

  الصورة الأولى: صورة الإنسان الذي غيبه الموت وترك جرحا عميقا ونازفا في نفسية الشاعر نظرا لأواصر الصداقة التي كانت تربطه به، وذكرهم الشاعر بأسمائهم الشخصية والعائلية وجلهم ينتمون إلى عالم الأدب، وبلغ عدد القصائد التي خصهم بها ستة قصائد من أصل خمسة وعشرين قصيدة، وهي قصائد رثائية تعكس علاقة الشاعر بالآخر من خلال تجربة الموت التي شكلت رافدا أساسيا من روافد تجربته الشعرية.. إن تفاعل الذات الشاعرة الحاضرة في الوجود مع ذات الآخر المنفية في العدم يبرز عمق امتداد الآخر في وجدان الشاعر وفكره. وتمثل هذا الآخر في أوصاف وأشكال وحالات متنوعة منها:

* رمز الشجاعة والعطاء والشموخ والتحدي وقوة الإرادة والقدرة على تجاوز ذاته وواقعه.

* مصدر إلهام وفخر ومحفز على مواصل مشوار الحياة

* ذكرى جميلة ومبهجة تشع على ما ومن حولها وتمنحه الحلم والأمل والخلود.

إن حضور الأخر من خلال الموت يبدو أزليا وأبديا ويعبر الشاعر بعاطفة قوية وجياشة عن تعاطفه معهم يعكس حجم الفقدان وحجم الفراغ الذي تركوه في حياته مستحضرا اللحظات الإنسانية المفعمة بالحب العطاء والنبل.. يقول في إحدى قصائده الرثائية بعنوان "روائح الموت":

 

خطفتك المنية يا صاحبي

في غفلة النهار

وشرود الليل

وسهوم الملائكة

لا عين لها

أنا حزين يا صاحبي

                      (الديوان. ص/ 99)

الصورة الثانية: صورة الآخر/ الذي ينعته الشعر ب"الشبيه".التي وردت مرة واحدة في في القصيدة التي عنون بها  الديوان، وب "الصاحب"  التي تكررت عشر مرات موزعة على خمس نصوص وفيها تتماهى ذات الشاعر مع ذات الآخر في بعدها الإنساني العميق لتشكلا وحدة لا تنفصم. وما يجمع ويوحد بينها هذه الذوات هو الغربة والضياع والفراغ والعجز..يقول:

أراك هناك

مثلي يا صاحبي

شبحا لرياحك المبعثرة

في الجهات

....

وتدور

مثلي يا صاحبي

في صفرة الدوائر

ومربعات مقصوصة الجناح.

                             (الديوان. ص/30)

إن انفتاح الذات الشاعرة على الأخر/الإنسان، يؤشر على النزعة الإنسانية المتأصلة فيها، وعندما تتماهى به فإنها تعيد صياغة قيمها ورؤيتها وتحاول أن تتموقع من جديد خالقة بذلك أفقا لانتظاراتها..

الصورة الثالثة: يتمثل الآخر في هيأة ضمير المخاطب الذي يتوجه إليه الشاعر بالخطاب دون أن يحدد هويته. إنه كائن بلا ملامح، هويته تتعين في الخطاب الشعري الموجه إليه. وتهيمن النصوص التي يوظف فيها الشاعر ضمير المخاطب. وأحيانا يحضر هذا الآخر ليقوم بمهمة الوسيط يستحضر من خلاله الشاعر أناه التي تعرضت للشرخ مما يسمح لها بمعاينة ذاتها في تمام عريها. ويتجلى هذا الآخر في وضعيات وحالات وهيئات متنوعة منها 

أ – التحول إلى كائن لا حس له ولا روح، إنه شكل بلا جوهر، مجرد صورة بلا معنى، عاجز عن الفعل والإنجاز، وحدها القصيدة تفسح له مساحة للحضور والأمل والحلم لتوقظ فيه شعلة الحياة. يقول في قصيدة "غيمة تائهة":

وحدك تعصر الكلمة على نغم الفوضى

ووجه الدمى الغادرة

                                (الديوان. ص/21)

ب – يبدو الآخر معزولا، وحيدا، يحيا خارج دوائر الناس والزمن يعيش مأساته وحده، ويقاوم من أجل الصمود والبقاء رغم أن فرص النجاة ضئيلة. يقول في قصيدة "خريطة مضغوطة":

وحدك مرمي

على أطراف الريح

تنبت الأشواك في الضباب.

                                (الديوان. ص/25)

الصورة الرابعة: يتجلى الآخر في صورة ضمير الجمع حيث تتماهى ذات الشاعر بذات الآخر الذي تبدو خيارات الحياة أمامه محدودة، وهو عاجز عن تجاوز الحصار العزلة والإحباط. يقول الشاعر في قصيدة "زيف" - وهو النص الوحيد الذي يتحدث فيه الشاعر بضمير الجمع – بنبرة تشي بالتعب والإعياء:

ليس لنا طريق ثالث

تشفي فيه عرق المنام

تحفر في متاهات زيف الظلال.

                              (الديوان. ص/87)

الصورة الخامسة: يظهر الآخر بضمير المخاطب متجاورا مع ذات الشاعر التي تتحدث بضمير المتكلم في قصيدة واحدة "غيوم دمي" التي يقول فيها:

قبضتك الريح، ترديك شبحا في المنايا

صفر هيكل، تسقط في المهاوي.

ثم يتحول إلى ضمير المتكلم

ونجوم تمور في فلك نهاري

كأني أعود إلى منبت الرحم الأول.

                                    (الديوان. ص/71)         

هذه المراوحة بين ضمير المخاطب والآخر وضمير المتكلم هي محاولة لكسر الجدار بين الآخر والعالم الخارجي وتشكيل وحدة نفسية قوية من أجل تجاوز واقع صعب ومؤلم لا يمكن التغلب عليه إلا بالتعاون.. إنه الإيمان الآخر وبالفعل الجماعي.

وقبل أن ننهي هذا المحور نشير إلى حضور ضمير المتكلم ليهيمن في بعض النصوص وهي عودة إلى الذات والعالم الجواني للشاعر بعدما سافر في ذوات الآخرين ومشاركتهم لعوالمهم..

المحور الثاني: البعد الجمالي

المقصود بالبعد الجمالي الوسائل والأدوات الفنية التي يتوسل بها الشاعر لإبلاغ فكرنه أو مضمون تجربته الشعرية بقصد إحداث الأثر الذهني والعاطفي المرغوب فيه لدى المتلقي. وإذا كانت تجربة الشاعر قد اتخذت على مستوى المضمون بعدا إنسانيا غنيا سواء من حيث المنطلقات والغايات فإنها الصورة الكاملة لتجربة الشاعر لا تكتمل إلا بمقاربة الجانب الفني الذي سنتناوله من خلال أربعة مداخل وهي: 1. الصورة الشعرية. 2. اللغة. 3. الرمز. 4. الإيقاع.

أولا: الصورة الشعرية.

تعتبر الصورة الشعرية من أبرز الأدوات الفنية التي تسهم في تشكيل البعد الجمالي للنص الشعري.  وهي ـ كما عرفها س- د – لويس : " رسم قوامه الكلمات، إن الوصف والمجاز والتشبيه يمكن أن يخلق صورة أو إن الصورة يمكن أن تقدم إلينا عبارة أو جملة يغلب عليها الوصف المحض ولكنها توصل إلى خيالنا شيئا أكثر من انعكاس متقن للحقيقة الخارجية. (الصورة الشعرية. ترجمة د. أحمد نصيف الجنابي. ص 81). وتتجلى الصورة الشعرية في ديوان "شبيهي في التيه"  بأشكال وأنماط متعددة يمكن اختزالها في:

أ – صور شعرية كلية تمتد على طول النص لتنقل لنا إحساسا شفافا مفعما بالحيوية والتفاؤل والأمل كما في قصيدة "صدى الكلمات" حيث يقول:

يا صاحبي

أنا هنا ظل لأناك

صدى كلماتك في زوايا الروح

انزواء الأحزان البعيدة

تحت الغمام

حين تأتي الأعشاش إلى أرواحنا

كي تنبت فينا رائحة الولادة.

                               (الديوان: ص/18)

ب – صور شعرية جزئية وامضة على مستوى الظاهر  ولكنها متناغمة وعميقة على مستوى جوهر التجربة. يقول في قصيدة "بصيص ضوء"

الوقت باكرا

والمحطات لم تفتح أبوابها بعد

والخفافيش داهمها الضوء

ولم يعد لها معالم لسيرة

ولا عين للظلال

                    (الديوان: ص/41)

من خلال هذا المقطع نلاحظ أن الصورة الشعرية حققت أهدافها باعتبارها أداة توصل بها الشاعر للكشف عن رؤيته وموقفه من واقعه بكل تعقيداته وتفاصيله الصغرى، وعبرها تمكن من خلق حالة وسطى أحيانا بديلة عن الذات الشاعرة والآخر والواقع، كما لعبت الصورة دور الناقل لمضامين أو تيمات التجربة الشعرية إلى جانب نقل الحالة النفسية والعاطفية الكامنة خلف هذه المضامين. وهيمن التشبيه والاستعارة لتشكيل الصورة الشعرية.

ثانيا: اللغة الشعرية

هي في جوهرها لغة انزياحية وبها تقوم تجربة كل شاعر، ذلك أن لكل شاعر مفرداته ومعجمه الخاص، ومن خلال اللغة يخلق فرادته ويبدع عالمه ورؤيته الخاصة به. يقول محمد زكي عثماني: "مهمة الأديب الناجح أن يعمل على تحطيم الارتباطات العامة للألفاظ عن تلك الارتباطات التي يخلقها المجتمع وأن يخرج عن السياق المألوف إلى سياق لغوي مليء بالإيحاءات الجديدة. (ذ. أحمد عشماوي، قضايا النقد الأدبي والبلاغي، ص/19). وإذا تتبعنا المعجم المهيمن في الديوان سنلاحظ أنه موزع بين حقلين دلاليين هما: الحضور  والغياب أو الحياة والموت/أو الأمل واليأس. كما استثمر الشاعر دلالات المفردات وأصواتها وعلاقاتها وبنائها لنقل تجربته الشعرية والنفسية والوجدانية ومواقفه الرؤيوية إلى المتلقي. وإذا ما رسمنا جدولا عاما لمعجم الشاعر سنستنتج أن الحقول المعجمية المهيمنة هي:

المعجم الدال على الزمن: وهو ناذر جدا وتكررت بالخصوص مفردة اللمساء 15 مرة إلى جانب مفردتي النهار والليل.

المعجم الدال على الموت: يحضر معجم الموت بمفرداته المتعددة مثل: الموت/الموتى (14 مرة). وذكر مفردة الموت منفية مردة واحدة (لا تموت). الكفن، المحو، المشانق، المنتهى/النهاية، الصلب، الرحيل..

المعجم الدال الألوان: تحضر أربعة ألوان: الزرقة (مرتين)، والبرتقالي (مرة واحدة)، الصفرة (6 مرات) و الأبيض (6 مرات)

المعجم الدال على الفصول: لا يحضر إلا فصل الخريف (4 مرات)

المعجم الدال على الأماكن: في هذا المجال تحضر أماكن متنوعة منها ما يحيل على البادية، وهي ناذر جدا مثل: الغابات، الطريق.. ومنها ما يحيل على المدينة الدروب، الأرصفة.. ومنها ما يحيل على السفر: السكة، المطارات، المحطات..

المعجم الدال على أعضاء الجسد: تحضر مفردات الجسد بشكل ملفت للانتباه ومن مفردات هذا الحقل: الأظافر، الدماغ، الأرحام، الحناجر، القفا، الجفون، الصدر، القلب، البطنـ اللسان، الساق، الخد.. ولكن أكثر الأعضاء تكرارا هي: اليد (26 مرة)، الوجه (14 مرة)، العيون (12 مرة)، الرأس (6 مرات)، الذاكرة (8 مرات).

المعجم الدال على الحياة: هيمنت المفردات التي تحيل على الحياة وتنوعت مثا: النهر، الغمام، الماء، السحب، الفراشات، السنابل، الأشجار...

أما فيما يتعلق بالأفعال فقد هيمن الفعل المضارع بشكل جلي على بقية الأزمنة الأخرى يكفي للتدليل على ذلك أن القصائد الأربعة الأولى حضر فيها الفعل المضارع حوالي (53 مرة) مقابل فعل ماض واحد ، وأربعة أفعال أمر وهو ما يدل على أن التجربة الشعرية تربط نفسها بالحاضر كما يعطيها مرونة لتجدد نفسها من خلال ذاتها والمتلقي في نفس الآن.

ثالثا: الرمز

إلى جانب الصورة الشعرية والمعجم يأتي الرمز باعتباره وسيلة مهمة في تبليغ التجربة الشعرية. والرمز حسب إحسان عباس هو "الدلالة على معلى ما وراء المعنى الظاهر مع اعتبار المعنى الظاهر مقصودا أيضا". (فن الشعر. ص 230). ومن أهم خصائص الرمز، الإيحاء، والتلميح، والإيماء إلى المعنى دون التصريح به، ووظيفته هو نقل الأثر النفسي والمعنوي التي تبعثه بعض الأشياء في نفوسنا.

وإذا تتبعنا حضور الرمز في ديوان " شبيهي في التيه" سنلاحظ أن الشاعر وظف الرمز بكثافة وهو يستمده من الطبيعة والوقائع والأشياء..فنجد على سبيل المثال " النوارس، الخفافيش، الغربان، العنقاء، والكلاب، الحوت، البذور..." هذه الرموز تحبل بالدلالات التي تحيل على الحياة والموت هي في وطبائع الناس كالخيانة والانتهازية والشموخ والظلم، وهي تعكس في مجملها حالات نفسية للشاعر في تواصله مع الواقع بأبعاده المتعددة. يقول الشاعر:

في خلوة المساء

هي العناكب تمد خيوطها طويلا

وأنت أعزل مثل كومة إسمنت.

                                    (الديوان: ص/54).

"العنكبوت" هنا تعكس حالة الشاعر المهزوم والمنكسر في لحظة ما قبل حلول الليل حيث سيتضاعف الإحساس بالوحدة والخوف، الشاعر يستشعر الخطر الذي يتعرض له ويتربص به، ينتظره دون أن يكون قادرا على دفعه.

رابعا: الإيقاع

شكل الإيقاع الشعري العنصر الرابع الذي يدعم الجانب الجمالي والفني للقصيدة، وظل مفهوم الشعر مرتبط بالوزن منذ نشأته وإن تغيرت قيمته من عصر إلى آخر. والملاحظ أن الإيقاع الشعري في تجربة الشاعر ينبعث من داخل النص أكثر مما ينبني خارجه. وسنحاول رصد بعض مظاهر الإيقاع  الداخلي وتجلياته من خلال ظواهر دلالية ولفظية وصوتية وتركيبية وتناغم هذه المكونات فيما بينها. يقول الشاعر:

أرى رفرفات وجناح وريح

وظل مطر وروح سحاب

وأنا معهم أسير

إلى نهاية لا رأس لها في الشمس

ولا نهاية لها في رأس الدرب

أسير كمن يعانق سديما

وبحرا مرسوما على خريطة التيه

والسفر الموجع إلى الغابات.

                                  (الديوان: ص/50)

يتجلى غنى الإيقاع الداخلي الذي يسهم في بناء موسيقية القصيدة وبالتالي دعم شاعريتها من خلال مجموعة من الظواهر التي تتمثل في:

أ – التكرار بنوعيه الصوتي المتمثل في تكرار الصوائت التالية: الحاء (4 مرات). الراء (15 مرة). السين (9 مرات). النون (5 مرات). والصوامت التالية: الألف الممدودة والمقصورة (14 مرة). الياء ( 6 مرات). والتكرار اللفظي: أسير (مرتين). الرأس (مرتين).

ب – التطابق: نهاية /بداية.  والتجانس: روح/ريح. والتداعي الحر الذي يولد تناغم في الألفاظ. فالرفرفات (الطيور) استدعت الجناح (الطيران). والجناح استدعى الريح (الفضاء). كما أن المطر استدعى السحاب. والنهاية استدعت البداية، والرسم استدعى الخريطة...فالتداعي الحر هو نتاج خيال خلاق مبدع وعفوي يتناغم فيه التشكيل الدلالي مع التشكيل النغمي – الإيقاعي لشحن التجربة الشعرية بمزيد من المتعة واللذة والفعالية.

على سبيل الختام

هذه محاولة لتقريب المتلقي من بعض الجوانب الدلالية والجمالية التي ميزت التجربة الشعرية في ديوان "شبيهي في التيه" والتي أتمنى أن تفتح شهية القارئ لكي يكتشف  ويتواصل ويتفاعل مع هذه التجربة بشكل مباشر.

أبريل 2020

المصطفى فرحات

 

 

 

 

حالة الطقس في مراكش

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة الكائن السمخي أولا: "الكتابة السمخية" 14. الكتابة السمخية والنكاح. الجزء الثالث: النكاح في الثقافة الإسلامية

1. أشهر مؤلفات الفقهاء في النكاح فطن رجال الدين لأهمية الحياة الجنسية عند الإنسان المسلم، فكتبوا العديد من الكتب تتعلق بالجنس تنقل لنا خبرات...