كلام في البلاغة والحجاج :أنواع الحجاج (الجزء الثاني).

1. حجج شبه منطقية

اعتبر البلاغيون هذا النوع من الحجج حججا شبه منطقية لكونها قابلة للانبثاق من مجال المنطق الصوري، ولكنها تبقى قابلة للدحض ومن أهم هذه الحجج:

أ ـ التعريف:

 يمثل التعريف في الغالب مقدمة للحجاج، ما دام الحجاج يبحث، بتحديد للمفاهيم، عن اتفاق المتحاجين حول أسس مشتركة.

* التعريف بالإحاطة: يرتكز على تقديم الخصائص المميزة للشيء لإعطائه تمثيلا ذهنيا مجردا.

* التعريف بالتحديد: هو عملية تعداد العناصر المكونة للشيء من أجل إعطائه تمثيلا ملموسا.

* التعريف الوصفي: يتم فيه التغاضي عن الخصائص الجوهرية للشيء وتعويض المصطلح بسلسلة من المفردات الوصفية.

 * التعريف الإجرائي: لا يبحث عن الخصائص البنائية للشيء، بل يعتمد على نتيجة التمحيص التجريبي الذي يؤسس المفهوم.

* التعريف التفسيري: يتم التركيز على جوهر الشيء المعرف بتوسيع المفهوم في كل تضمانته يضا إلى المفهومية والبحث عن الخصائص المميزة، والاحالة على مفاهيم ومرادفات معروفة.

* التعريف التعاقدي: يتوخى خلق مفهوم جديد بواسطة تعاقد بين المتحاورين بابتكار عبارة جديدة أو إعطاء عبارة موجودة معنى جديدا.

* التشبيه: قد يلجأ التعريف أيضا إلى التشبيه فيستغني عن الشيء في حد ذاته، ويختار شيئا شبيها معروفا ومشهورا.

ب ـ التعارض:

يميز البلاغيون بين التعارض وبين التناقض، فالتناقض يقابل بين الفكرة وبين نقيضها الخالص والبسيط، أما التعارض فينشأ بين إثباتين يتنافيان بكيفية تلقائية حين يتواجدان في نفس السياق.

* حين يتعارض مبدأ مع شروطه القولية، أو مع شروطه القولية، أو مع نتائج شروطه التطبيقية نسمي هذه تعارضا ذاتيا.

* تبرز أهمية التعارض الذاتي في حجة قلب الرهان المتواترة في المناظرات السياسية.

* تقوم حجة الثالث المرفوع في الاضطراب الذي يشعر به من لا يتخذ موقفا أو تبني خطا سياسيا محددا.

ج ـ البرهان ذو الحدين:

إن البديل الذي يقود إلى اختيار الأقل ضررا، أو يكره الخصم على اختيار واحد من بديلين ليسا ـ معا ـ في مصلحته، ويمكن لهذا البرهان أن يكون:

* حجة لحسم النية: يؤسس على مبدأ الثالث المرفوع تدفعنا إلى الاختيار الأقل ضررا، ما دامت وجهتا الدليل تقودان إلى نفس النتيجة.

* حجة تسخيرية: موجهة إلى حصر المنافس في وضعية يستحيل حلها موضوعيا وإرغامه قبول نتيجة استدلال بدفعه نحو بديله.

2. حجج قائمة على المنطق الصوري

قسم من الحجج ينتمي إلى صنف الاستدلات الرياضية.

أـ مبدأ الهوية: ليس لهذا المبدأ فائدة كبرى في الحجاج. هو من باب تحصيل الحاصل.

ب ـ التبادل: يتأسس على مبدأ التناظر فتكون ((أ) بالنسبة (ب) هي (ب) بالنسبة ل (أ)).

ج ـ التعدية: تحققها الصيغة التالية: (إذا كانت (أ) تساوي (ب) وكانت (ب) تساوي (ج) نستنتج أن (أ) تساوي (ب)).

د ـ حجة القسمة: تسمح باجتناب المعالجة الشاملة لفكرة مركبة، وتناول كل مكون من مكوناتها، باعتبار أن الكل هو مجموع الأجزاء، إذ يؤدي مجموع النتائج إلى نتيجة عامة، حين يعتبر كل عنصر من العناصر شبيها بالآخرين.

هـ ـ حجة التضمن: يسمح هذا الإجراء باستنتاج حكم على أحد العناصر، فما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء. نقول بصورة عامة (لا يخرج عن القاعدة)، (لا يشذ عن النوع).

و ـ حجج الأشباه: يجب أن يخضع الأشباه لنفس المعالجة أو لمعالجات مماثلة.

ز ـ قاعدة العدالة: تفترض أن الحالات المدروسة متكافئة، من هنا جاء مبدأ تطبيق نفس القواعد على كل المتقاضين الموجودين في نفس الوضعية.

ح ـ قاعدة السابق: تفترض قاعدة السابق تماثلا بين حالتين متفاوتتين في الزمن، فنقيس الثانية على الأولى.

ط ـ حجة المتناقضين: إذا كانت ظاهرة تستدعي حكما، فإن الظاهرة المخالفة تستدعي حكما مخالفا. على ضوء هذا المبدأ تصاغ الحجة التالية: (إذا كان من حق التصويت مفتوحا في وجه المغاربة البالغين، فإنه ليس كذلك بالنسبة للأجانب والقاصرين).

ي ـ حجة المتلازمين: وهي الحجة التي تجمع بين فكرتين أو وضعيتين متلازمتين فلا يمكن اعتبار إحداهما دون استحضار الأخرى: (لا نار بدون دخان).

ك ـ الحجاج الاحتمالي: يتأسس على المنطق الكمي للإحصاءات، أو على مبدأ النية الحسنة. ومن قاعدة (رأيان خير من رأي واحد).

3 ـ الحجج التجريبية.

تقوم على الوقائع، وعلى تجارب ملاحظة أو معيشة:

أ ـ حجج السببية والتتابع. وتتخذ مظهرين:

* السببية: يتم اللجوء إلى العلاقات السببية لغايات حجاجية، وتحتلف الغاية باختلاف الوسيلة. وقد يكون الحجاج لطمس الأسباب العميقة لأغراض تسخيرية. وقد يكون نفعيا فيعالج أيضا الروابط السببية. وقد يكون تبريريا، يلجأ له الفرد لحماية نفسه لإعطاء أسباب مخالفة للأسباب الحقيقية..

ب ـ حجج المواجهة. وتتلخص في حجتين اثنتين:

* حجة الهادفة إلى توضيح الفرق بين ما يعرف عن الشخص، وبين أفعاله وأقواله، لتجريده من أهليته.

* حجة السلطة: وتقوم على مواجهة إيجابية بين الفعل وبين الشخص، كأن تقبل بإرجاعها إلى صاحبها الجدير بالثقة.

ج ـ الحجج الاستقرائية، وتتحقق في أشكال ثلاثة:

* المثل: يتقدم كحالة خاصة وملموسة لتدعيم أطروحة أو للمساهمة في تأسيسها.

* الإيضاح: يستعمل في تقوية أطروحة مقبولة وإعطائها مظهرا حيا ملموسا، ولا يهدف إلى الاثبات بقدر ما يهدف إلى إثارة الخيال.

* النموذج: تقدم هذه الطريقة سس على حجة السلطة. تستهدف إثارة التقليد وتستمد تقنيات الإقناع من الميل الطبيعي للأفراد إلى النماذج. تشكل بعض الشخصيات نماذج مضادة.

4. الحجج المجبرة:

  الحجج الجبرية: تعتمد في الإقناع على مجال القيم. وهي أنواع:

1. قيم مجردة: قد تكون كونية مقبولة من كل الناس كالخير والطيب والجنيل..

2. قيم مجسدة: في حقائق محسوسة كالدولة والمصلحة العموممية...

تتحقق القيم في أشكال متعددة كالأمثال والقواعد والحس الجيد. وهناك مقاييس عامة:

* مقياس الكم.

* مقياس الكيف.

* مقولات النظام كأفضلية السابق على اللاحق.

* مقولة الموجود تتمثل في تفضيل الواقعي على الممكن.

* مقولة الجور تسمح للحجاج لصالح حالات وأفراد يمثلون النوع أو المجموعة بكيفية أفضل.

* حجج سوء النية ترتبط  بحساسية المتلقي ونقط ضعف.

* حجج عاطفية تهدف إلى التأثير في عواطف المتلقي.

من كل ما تقدم يبدو أن النموذج الحجاجي البلاغي التقليدي نموذج مثالي معياري يسعى إلى محاربة الألاعيب الخطابية ودحض المغالطات السفسطائية. ولكن لا تسمح لنا بوصف التفاعلات الخطابية وتفسير آليات وطرق اشتغالها.

ابزو 2014.

*****

كلام في الحجاج والبلاغة (الجزء الأول)

تقوم البلاغة على مبدأ الفهم والإفهام أي على مبدأ التواصل بين طرفي أو أطراف الحوار. ويعتبر الحجاج من العناصر الأساسية في تحقيق التواصل، بل هو جزء من الممارسة اليومية نجده في الحوارات بين الأشخاص، ووسائل الإعلام، والجرائد..كما أن الحجاج من الأساليب التي نعتمدها للدفاع عن فكرة أو قضية أو سلوك..نلجأ إليه للمدح والقدح، في اتخاذ مواقف أو الرغبة في تغيير أو تعديل سلوك..إنه مجال واسع لتفاعل الذوات.

ويهدف الحجاج أن يكون قوة تأثيرية على الذات نفسها، وعلى الآخرين، ويرتبط أيضا بالحقيقة، فهو يبحث عنها ويثبتها و يعمل على تطويرها، ويسعى إلى نجاح الفعالية مستعملا كل الإمكانيات المتاحة..فالصراع فالصراعات الاجتماعية والعسكرية والقتال بين الأفراد لا يهم فيها إلا النجاح فيما تخوضه من المواجهات.

يختلف الحجاج باختلاف مناطق تداوله والوظائف التي يقوم بها والمجالات التي يجري فيها. وقد يكون الحجاج:

أ ـ ذاتيا: تلجأ فيه الذات إلى حوار داخلي لإقناع نفسها.

ب ـ ثنائيا: يجري بين فريقين أو خطيب وجمهور.

ج ـ ثلاثيا أو أكثر: يتحاور فيه الأشخاص ويتناظرون أمام جمهور كما هو الحال في القضاء والمناظرات الجدلية.

وفي جميع الأحوال يكون المتابع حاضر بالصفات التالية:

أ ـ متفرجا: يقتصر على المتابعة.

ب ـ مستهدفا: يحاول المحاور إقناعه بتبني وجهة نظره.

ج ـ أمام نفسه: يحاجج نفسه لصالحها أو ضدها.

نظرت البلاغة التقليدية إلى الحجاج كمكون من مكونات الخطاب، يتشكل حسب تشكله، تتغير وظائفه وطرق الاستدلال بتغيره. والخطاب ثلاثة أنواع:

1. الخطاب الاستشاري: خطاب مستقبلي يهدف إلى دفع المجموعات أو الأفراد إلى اتخاذ قرارات وفق قواعد الديمقراطية. يتأسس على قيم النافع/الضار. الأحسن/الأسوأ.

2. الخطاب القضائي: يتوجه نحو الماضي ويهدف إلى الاتهام أو الدفاع. يتأسس على قيم العادل/الظالم.

3. الخطاب القيمي: هو النوع الذي يمدح أو يذم الأشخاص أو الأفكار، يرتبط غالبا بالحاضر. يتأسس على قيم الجميل/القبيح.

تنوع الخطاب لا يؤدي إلى تعدد بناءه التي يمكن حصرها في خمسة مراحل متفاوتة الأهمية وهي: الإعداد ـ التنظيم ـ البيان ـ الفعل ـ الذاكرة.

1. مرحلة الإعداد:

هي المرحلة الأكثر تعقيدا، وتتطلب البحث عن الأفكار والحجج، ويميز أرسطو بين ثلاث مستويات حجاجية:

أ ـ الإيثوس: وتتعلق بشخصية المتكلم والصورة التي يقدمها عن نفسه.

ب ـ الباثوس: وهي مجموع انفعالات يود المتكلم ويرغب في إثارتها لدى مستمعيه.

ج ـ اللوغوس: وهو الحجاج المنطقي الذي يحتل الجانب العقلاني في سلوك المتكلم.

وفي هذا المجال نجد نوعين من الأدلة:

أ ـ أدلة غير تقنية: توجد في الوقائع والأحداث والنصوص باستقلال عن المتكلم.

ب ـ أدلة تقنية: يمنحها الخطاب وقدرات المتكلم وإبداعه.

2. التنظيم:

هي مرحلة فن تنظيم الحجج أو تجميعها وفق تصميم معد سلفا. ووفقا للبلاغة القديمة تستعمل تصميما أكثر استعمالا يقوم على:

أ ـ الاستهلال: هو الجزء الافتتاحي يهدف إلى الاستحواذ على انتباه المخاطب.

ب ـ السرد: تعرض فيه الوقائع.

ج ـ الاثبات: وهو الخطوة التي يتم فيها الإعداد بالحجج، ولا تخرج بنية الخطاب في هذا الجزء عن ثلاث خطوات:

أ ـ القضية: تلخيص نقطة الخلاف.

ب ـ الحجاج: عرض الأدلة.

ج ـ الجدال: مناظرة قصيرة مع الخصم، قد تبدا بسؤال اتهامي.

د. الاستطراد: يلعب فيه المتكلم على وتر العاطفة بإثارة السخط أو الشفقة.

ذ ـ الخاتمة: يتم فيه التركيز على الأسلوب والعاطفة.

3. البيان:

ويتعلق باحترام قواعد صياغة الخطاب كسلاسة اللغة واحترام النحو وجودة الأسلوب والملائمة للموضوع. ويتحدد في أنواع ثلاث:

أ ـ أسلوب بسيط: يرتبط بالأفكار والتفسير.

ب ـ أسلوب متوسط: يكون أكثر تنميقا ويماثل الاستدلال والاستطراد.

ج ـ أسلوب رفيع: يكون أكثر زخرفة وجلالا، يلائم المقاطع العاطفية.

4-5. وضعت مرحلتي الفعل والذاكرة على هامش البلاغة لكونهما لا تهتمان إلا بالإنجاز الشفهي للخطاب.

الطرق الاستدلالية: الاستنباط والقياس

الاستنباط مبدأ استدلالي ينطلق من العام إلى الخاص. أما الاستقراء فينطلق من الخاص إلى العام، ويصل دائما إلى التعميمات.

****

حروف القافية

تتكون القافية من حرف أساسي ترتكزعليه يعرف باسم الروي. فالروي هو آخر حرف صحيح في البيت وعليه تبنى القافية وإليه تنتسب. فبقال قصيدة ميمية أونونية..

1. الروي

هوأقل ما تتألف منه القافية،وذلك عندما يكون "الرويّ"ساكنا، فإذا زاد الشاعر شسئا آخر فإن لهذه الزيادة اصطلاحات خاصة هي:

2. الوصل:

ويكون بإشباع حركة الرويّ فيتولد من هذا الإشباع حرف مدّ، أو يكون بهاء بعد الرويّ.

الوصل نوعان:

أ ـ حرف مدّ يتولد عن إشباع حركة "الرويّ" فيكون ألفا أو واوا أو ياء.

ب ـ هاء ساكنة أومحركة تلي حرف "الرويّ".

مثال الوصل بألف مدّ:

كنتَ لي ظِلاّ على الأرض وريفا *** كنتَ لي معنى سماويا لطيفا.

مثال الوصل بالياء:

أي بِشْرٍ لمتسكبي في حياتي *** أيّ نور في جوّها لم تُريقي.

مثال الوصل بالواو:

اِهنئوا بالعيد والهو واطربوا *** يا بني العيد وضِجّوا واصخبوا.

الوصل بالهاء:

يكون بهاء ساكنة مثل:

كان شعري الغناء في فرح الشر *** ق وكان العزاء في أحزانهْ.

يكون بهاء متحركة مثل:

لبنان والخلد اختراع الله لم *** يوسم بازينَ منها ملكُوتُهُ.

3. الخَروج:

 ويكون بإشباع هاء الوصل. فمثلا كلمة "شَبَابُهُ" إذا وقعت في نهاية البيت فإنها تكتب كتابةعروضية على الشكل التالي: "شَبَابُهُو" ف"الباء" روي، و"الهاء" وصل و"الواو" تسمى الخَروج. ويكون أيضا بالياي والألف.

مثال الخَروجُ والإشباع فيه الواو:

كيف السبيل إلى طيف يزاوره *** والنوم في جملة الأحباب هاجرهُ.

مثال الخروج والإشباع فيه ياء:

في الموت ما أعيا وفي أسبابه *** كلّ امرئ رهن بطيّ كتابه.

مثال الخروج والإشباع فيه ألفا:

يا حسرة ما أكاد أحملها *** آخرها مزعج وأوّلها.

4. الردف:

ويكون حرف مد قبل "الرويّ" مباشرة أو حرف لين.

وحروف المد الثلاث من حيث الردف قسمان:

القسم الأول: الألف مثل: (الحياة ـ الصلاة ـ المعجزات..).

القسم الثاني: الواو والياء. يجوز المعاقبة بينهما فكلمات مثل: (بدور ـ نسور ـ قصور ...) يمكن أن تكون جنبا إلى جنب مع كلمات مقل: (بشير ـ نذير ـ غدير ...).

   * الردف بالألف مع روي ساكن:

قولوا له روحي فداهْ *** هذا التجني ما مداهْ

* الردف بالياء والواو مع روي ساكن:

قم إلى الأهرام واخشع واطّرحْ *** خيلة الصيد وزهو الفاتحين

وتمهل إنما تمشـــي........إلى *** حرو الدهر ومحراب القرون.

5. التأسيس:

وهو حرف مدّ بينه وبين الروي حرف صحيح. كما في كلمات (حاجب ـ صاحب ـ طالب...).والحرف الذي يفصل بين الروي وألف التأسيس يسمى دخيلا.

مثال التأسيس:

يا من يحن إلى المــــرا *** بع إن رجعت إلى المرابعْ

موّن عيونك ما استطعـ *** ت من البحار وأنت راجع.

6. الدخيل:

هو الحرف الفاصل بين الروي والتأسيس ففي كلمة "صاحب) فالحاء هي الدخيل.

*****