tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة
ميمي نت

آخر الأخبار

آخر الأخبار
2. قالوا عن السلم: * "لا يوجد طريق للسلام، فالسلام هو الطريق." (مهاتما غاندي) - * "من يُريد السلام يجب أن يُستعد للحرب." (أرسطو) - * "السلام هو زهرة تنمو من التربة التي تسمى الحب." (ليون تولستوي) - * أستطيع أن أكون الأسوأ دائماً، لكنني أملك قلباً يرفض جرح الآخرين. (نيلسون مانديلا) - * "نتيجة الحروب خلق اللصوص ونتيجة السلام قتلهم" (جورج هربرت) - * " كان ديكان يعيشان في سلام حتى ظهرة دجاجة" (مثل فرنسي) - * "السلام هو الأم المرضعة لكل بلد" (هزديوس) * القلب المتمتع بالسلام يرى عرسا في كل القرى" (مثل هندي)

الاثنين، 30 مايو 2022

مقاربات نقدية: 22. جانب من ظواهر فنية - جمالية في شعر الشاعلر الليبي محمد المختار زادني*

تهدف هذه الورقة البسيطة إلى مقاربة وتقريب جانب من تجربة الشاعر محمد المختار زادني من خلال رصد بعض الظاهر الفنية التي تحضر بشكل لافت لانتباه في قصائده. مع العلم بأنه من الصعب إبداء رأي قاطع في هذه التجربة لسببين رئيسيين:

الأول: لم تتح لي الفرصة لكي أطلع على ديوانه.

الثاني: ما قرأته له في المنتديات، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال أن يعكس عمق وعمومية هذه التجربة.

لهذا وجدت نفسي مرغما على اختيار نصوص مما نشره على مواقع ومنتديات على الشبكة الإلكترونية، وعملت على رصد بعض الخصائص، أو التقنيات التي يميل الشاعر إلى توظيفها، والتي هي في جوهرها من يحدث الفرق بين الشعر والنثر. ووقع اختياري على ثلاثة نصوص، وهي:

* أنا هنا ديم.

* كلوم في كلم.

* لغة بلا صوت.

وقسمت ـ من الناحية المنهجية ـ هذه المداخلة إلى قسمين:

الأول: يهتم بتحليل تقنيات التصوير الشعري.

الثاني: يهتم بتقنيات الإيقاع.

ـ 1 ـ

تقنيات التصوير

1. اللغة الشعرية:

هي كل ما يملكه الشاعر للتعبير. ومن ثمة، فجودة أو رداءة القصيدة يعود في الأصل ـ إلى جانب الموهبة ـ إلى مدى تحكم الشاعر في هذه الأداة. إنها الفيصل والمعيار الذي تتحدد به شعرية القصيدة.

واللغة الشعرية، متى أحسن توظيفها، فإنها قادرة على التعبير والكشف عن الدلالة، وذلك من خلال ما تخلقه من انزياحات وفاعلية لها تأثير كبير سواء على مستوى التصوير الشعري، أو التأثير في المتلقي الذي تخلف لديه استجابات تتفاوت وعمق الانزياح، والإيحاءات المرتبطة به، والتصوير الفني.

ومن الوسائل التي وظفها الشاعر لتحقيق هذا الانزياح:

1. أ. إسناد الفعل الإنساني إلى غير فاعله. هذه التقنية نجد حاضرة بشكل ملفت للانتباه في القصائد الثلاث. بل بها تنهض شعرية النصوص، فلا يكاد يخلو بيت من أبيات القصيدة من هذه الظاهرة.

* قصيدة "لغة بلا صوت"، نجد: (الوشاح يشكر ـ الشط يزوق ـ الموج يُقري ـ النهر يعانق ـ الغاب ينشد ـ السهول تزهو ـ الأطياف تسلم ـ اللواحظ تبتدع..)

* قصيدة "أنا هنا ديم" (الحروف تلبس ـ  العشق يحتل ـ القوافي تضُج ـ العبرات تتكلم..)

* قصيدة "كلوم في كلم": (الزمان يبكي ـ الحرف يبكي ـ الشعر يكلِّل ـ الرفاة تصغي..)

2. ب. إسناد أوصاف إلى غير الموصوفين بها: هذه التقنية أقل حضورا من سابقتها، إذ لا نكاد نعتر في مجمل القصائد إلا على ثلاثة نماذج:

* قصيدة "أنا هنا ديم": (طيف راقص ـ التوجع صامت.)

* قصيدة "كلوم في كلم": (التبر متسخ ـ البحر مهيب.)

لاشك أن الصفة تعكس التبات والسكونية على عكس الفعل الذي يتميز بالحركية والدينامية، وهذا ما يجعل كثيرا من النصوص التي تكثر فيها الصفات ثقيلة على الحس والفكر، والشاعر الذي يملك الخبرة والموهبة يتفادى هذا النمط من التصوير. ولا أعتقد أن شاعرنا تنقصه هذه المواصفات.

ـ 2 ـ

الصورة الشعرية

من المعلوم أن الصورة الشعرية هي تركيب لغوي لتصوير معنى عقلي أو عاطفي، متخيل بين شيئين يمكن تصويرهما بأساليب عدة عن طريق المشابهة والتجسيد والتشخيص والتجريد. والغاية هو إحداث التأثير لدى المتلقي، ودفعه إلى إبداء استجابات متنوعة..وحسب قدرة الشاعر على التخيل والتصوير يكون التأثير. وكما نعلم فالصورة الشعرية أنواع، وكل نوع له خصائصه المميزة، وبحسب حضور كل نوع داخل النص الشعري تتحدد عمق التجربة الشعرية وغناها. فما هي أكثر الأنواع حضورا في القصيدة؟

2. أ. الصورة الشعرية المفردة:

نعني بها تلك الصورة البسيطة القائمة على تشبيه مفرد بمفرد في صفة مشتركة بينهما تكون هي أيضا مفردة. ومن النماذج التي اخترناه من شعر الشاعر للتمثيل:

* من قصيدة "أنا هنا ديم':

                     فأقمت بين زهورها متأملا    ألوان طيف رائع الرقصات 

نلاحظ ها هنا تشبيه الشاعر ألوان الطيف براقصة. والصفة المشتركة بينهما هي رشاقة الحركة وجماليتها.

* من قصيدة "لغة بلا صوت":

                      هي لي الخليلة منذ أزهر خدها    وأنا لها الخل الوفي الأشهم 

يشبه الخد بالزهر. الجامع بينهما الحمرة والنضارة.

إن الصورة الشعرية المفردة بحكم تقارب العلاقة بين المشبه والمشبه به، فإن المعنى لا ينزاح إلا بدرجة محدودة جدا، إنها من أبسط أشكال التصوير، ووظيفتها في أغلب الأحيان تزيني.

2. ب . الصورة الشعرية المركبة:

هي نسيج لغوي تعبيري مكون من مجموعة من الصور البسيطة المؤتلفة فيما بينها، وعبرها ينقل الشاعر تجربة أو موقفا أو فكرة على درجة كبيرة من التعقيد، وهي ـ الصورة الشعرية ـ متداخلة العناصر، ومتصلة بالمواقف والتجارب المواقف المعقدة التي يصعب التعبير عنها بمجرد الوصف الحسي المباشر، فيعمد الشاعر إلى توليد صور مركبة تناسب درجة ما يعتمل في دواخله من انفعالات. وكنماذج من قصائد الشاعر:

* قصيدة "أنا هنا ديم":

                                       لبستْ حروفي يقظتي وسباتي    واحتلني عشق بذي الشرفا 

في البيت، نجد صورتين متداخلتين تعبران عن إحساسين متوازيين، وانفعالين متكاملين. هاتين الصورتين التركيبيتين تعكسان نفسية يتجاذبها قطبان: الشعر والعشق. وللتعبير عن "التمازج" العاطفي والفكري لجأ الشاعر إلى توظيف الصورة الشعرية المركبة:

في الصورة الجزئية الأولى: شبه الحرف (الشعر) بإنسان يرتدي لباسا لا يزيله عنه أبد. الجامع بين طرفي الصورة وهو الديمومة.

في الصورة الجزئية الثانية: شبه العشق بالمحتل، والجامع بين الطرفين هو البقاء والديمومة.

وعلى الرغم من أن الصورتين وردتا منفصلتين، واستعملتا أسلوبين في التصوير مختلفين إلا أنهما في آخر المطاف يجمعهما إحساس واحد، وفكرة مشتركة، وهي المعاناة في الشعر وفي الحب.

* قصيدة "كلوم في كلم":

يبكي الزمان رجالا مخلصين بنوا    مجدا على قيم شادت ببانيها 

الصورة الجزئية الأولى: شبه الشاعر الزمان بإنسان يبكي، والجامع بين طرفي الصورة هو الحزن.

الصورة الجزئية الثانية: شبه الشاعر القيم بإنسان يشيد، والجامع بينهما هو الفرح.

إذا هناك إحساسان متناقضين يعتملان في نفسية الشاعر هما: الاعتزاز بالماضي، والتأسي بالحاضر، وقد وفق الشاعر كثيرا في التعبير على الفكرة والشعور معنا من خلال توظيفه للصورة المركبة.

2. ج . الصورة الشعرية الكلية:

من مميزات هذه الصورة:

أولا: أنها تقوم على تكثيف عناصر الصورة في مختلف الأبعاد المكونة لها، وذلك عبر التنسيق بين عدة مدركات حسية متنوعة: سمعية، بصرية، لونية، شعورية في سياق تصويري وتعبيري واحد.

ثانيا: تنمو نموا كليا يتجاوز مستوى التشخيص والتجسيد إلى مستويات جديدة ترتبط بطبيعة رؤية الشاعر لما يصوره، وعلاقته بنفسيته ووجدانه.

ثالث: تعمل على إعادة تشكيل لأشياء الطبيعة والواقع وفق درجة الانفعال الذي يعيشه الشاعر.

* من قصيدة "لغة بلا صوت" اخترت هذا النموذج:

  وأبية شكر الوشاح دلالهــــــــــــــا     بلسان حال خلته يتكلــــــــــم

تمشي، يزوق خطوها شط المصب    وموجه يقري الخطى فيعـوم

والنهر عانقه المحيط مرحبــــــــا     والغاب تنشد عشقها وتسلم 

تتجلى كلية الصورة في هذا النموذج من خلال حضور عناصر عدة مرتبطة بالصوت (شكر ـ يتكلم ـ ينشد)، الحركة (تمشي عانق ـ يرحب)، اللون (يزوق) كما حضرت عناصر الطبيعة بشكل مكثف ومتناسق (الشط ـ المصب ـ النهر ـ المحيط ـ الغاب) تتحرك هذه العناصر حركات مختلفة في مظهرها لكن متناغمة في جوهرها. يؤطرها إحساس مرهف يعكس جوا رومانسيا معطر بالفرح والجمال، مما يجعل المتلقي يشعر وهو يقرأ هذا المقطع بأريحية نفسية وشعورية. 

ـ 2 ـ

تقنيات الإيقاع

أولا: التكرار:

التكرار هو إتيان الشاعر بلفظ متعلق بمعنى، ثم إعادة اللفظ نفسه متعلقا بمعنى آخر في البيت ذاته أو في قسم منه. وللتكرار فائدة معنوية، فهو يوحي بأهمية ما تكتسبه الألفاظ أو الجمل المتكررة من دلالة يسعى الشاعر عبرها للتأثير في المتلقي وإشراكه في تجربته الوجدانية. وللتكرار صور متعددة، فما هي الصور الأكثر حضورا في قصائد الشاعر؟

1. تكرار الحرف الواحد:

* قصيدة "لغة بلا صوت":

والنهر عانقه المحيط مرحبــــــــا    والغاب تُنشد عشقها وتسلــم

فإذا بعتثُ لعينيها رسل الهـــــوى    ظل الهوى بخدها يتبســـــــم

تزهو السهول الخضر في بسماته    تستلهم الأطياف عشقا يُرسم 

فقد تكرر حرف السين (07 مرات)، وهو حرف مهموس، وقد أدى وظيفة خارجية على مستوى الإيقاع الموسيقى مرتبطة بوجدان الشاعر، حيث يعيش لحظة رومانسية، في أجواء طبيعية يغلفها الهدوء والسكينة، ويغمرها الجمال.

2. تكرار اللفظة الواحدة:

تكرار اللفظة الواحدة لها وظيفة دلالية، فهي تقوم على إغناء المعنى، وتكسبه قوة وتأثيرا، إضافة إلى وظيفته الإيقاعية بخلقها انسجاما صوتيا في النص، وتجلى هذا النوع من التكرار في صورتين:

2/أ. تكرار  اللفظة بعينها:

* قصيدة "كلوم في كلم":

                                      يا ابن النفيس!

                                      يا ابن حيان!

                                      يا ابن خلدون!

                                      يا ابن سيناء!

   تكرري أداة النداء الياء (05 مرات)، ومن المعلوم أن النداء هو طلب الإقبال، لكن الشاعر أخرج النداء عن معناه الأصلي أوالحقيقي إلى معنى التحسر والتوجع، كما أن تكرار أسماء معروفة في تراثنا العربي يعكس ارتباط الشاعر بهذا التراث، وحنينه إلى الماضي الزاهر، زمن الأمجاد والمفاخر.

2/ب. تكرار الكلمة بمعناها:

* قصيدة "أنا هنا ديم":

لاموا على الشعر اتساق عموده     فنظمته فخرا بذي الحسنــــــات

ورسمت بالكلمات مثل سطورهم    لو قارنوا عشراتهم بمئاتـــــــي

وهزمت يأس القانطين بأحــرف     زرعت بذور الفجر في العتمات

ومشيت وحدي في الفلاة مغردا     لحنا لحبك جرسه، خطواتــــــي.

  نلاحظ أن الشاعر أورد (06) كلمات تدل على نفس المعنى، وهي: (الشعر ـ النظم ـ الكلمات ـ السطور ـ الأحرف ـ التغريد.) وكلها تعني شيئا واحدا، وهو الشعر.

   لقد وظف الشاعر التكرار من أجل تحقيق ثلاثة أغراض أساسية، وهي: التأكيد، الإيقاع والتزيين.

2/ج. التصريع:

   التصريع هو توافق العروضة والضرب في الحرف الأخير، وهو يستعمل أصلا في بداية القصيدة، وقد اعتاد الشعراء القدماء أن يستهلوا بهم قصائدهم، وأولوا العناية الفائقة واستعملوا كل الوسائل لجعله أكثر إثارة وتشويقا على مستوى الدلالة أو الإيقاع، والسبب الذي دفعهم إلى هذا يكمن في كونه أول ما يطرق سامع المتلقي من القصيدة، وإذا لم يوفق فيه الشاعر فإن المتلقي ينفر من الإصغاء ومن متابعة الاستماع. وإذا علمنا أن القصيدة العربية قديما كانت تنشد، أدركنا أهمية التصريع. هذا المطلوب في التصريع نجد جله متوفر في القصائد.

* قصيدة "أنا هنا ديم":

لبست حروفي يقظتي وسباتي    واحتلني عشق بذي الشرفـــــــات

* قصيدة "كلوم في كلم":

يا أمة أجدبت روابيهـــــــــا     واسترخصت همما أعلت مراميها 

2/د. الأوزان:

* البحر الكامل:

    وظف الشاعر البحر الكامل في قصيدتين: "لغة بلا صوت" ـ  "أنا هنا ديم".

القوانين العروضية تسمح لهذا البحر بمساحة واسعة في التصرف، وهو من البحور الرقيقة القوية، وأكثر ارتباطا بما هو عاطفي ووجداني، وترجع قوته إلى طبيعة التأنق في تفعيلته من حيث الكتابة الشكلية، والرقة الموسيقية في تتابع "متفاعلن".

لبست حروفي يقظتي وسباتي    واحتلني عشق بذي الشرفات

فأقمت بين زهورها متأمـــلا     ألوان طيف رائع الرقصــات

إنا هنا ديم تقاطرها الروءى      في سيل شدو رائع النغمــات. 

   آمل من هذه الورقة أن أكون قد قربت المتلقي من بعض الظواهر الفنية التي أثار حضورها انتباهي في القصائد الثلاثة آملا أن أعود إلى الديوان كاملا. وعموما فالنصوص الثلاثة تعكس تجربة شاعر مثقف بثقافة عربية أصيلة تعكس ولا شك امتداد صوت الشاعر العربي الذي أحب القصيدة العمودية بما تتمتع به من غنائية طافحة بالجمالية الممتعة والمؤثرة.

 المصطفى فرحات

 شتنبر 2010.

*********************************************************************************

* مداخلة ألقيت بالمركب الثقافي سيدي بليوط يوم: 25/09/2010. بمناسبة خلوة الشاعر الذي نظمها منتدى العشرة.

 

السبت، 28 مايو 2022

مقاربات نقدية: 21. حين ترتهن شاعرة بالشعر “قراءة في ديوان دمعة” لمالكة عسال *

   العتبة الأولى:

دمعة: هو العنوان الذي اختارته مالكة عسال لديوانها البكر، ويتكون من مائة وأربع صفحات، ويتضمن اثنين وثلاثين قصيدة، يزين صفحة الغلاف وردة متفتحة تنزف دما، ولا شك أن اختيار هذه الصورة لم يكن اعتباطيا، هناك رغبة واعية لدى الشاعرة للتماهي معها، إنها الوجه الآخر للشاعرة، وما الدم النازف، المتدفق من أوراقها إلا الوجه الآخر للقصيدة التي تسكنها والتي يمكن نعتهابالقصيدة الحمراء.

العتبة الثانية:

العنوان الذي اختارته الشاعرة لتوصيف قصائد الديوان له أكثر من دلالة، فهو من جهة يذكرنا بعناوين مماثلة حملتها كتب الكتاب والشعراء الرومانسيين، كدمعة وابتسامة لجبران خليل جبران، العبرات لمصطفى لطفي المنفلوطي..وهي مؤلفات مطبوعة بطابع الحزن والاغتراب والعزلة والاحساس بالظلم الاجتماعي، هذا الشعور هو المسيطر على تجربة مالكة عسال في جل قصائها.

في رحاب الديوان:

إن قراءة ديوان دمعة، هو أشبه ما يكون برحلة يقودك فيها الشعر إلى محطات مختلفة مرة تجدها صامتة، ساكنة، وأخرى صاخبة يملؤها الهرج والمرج، كما يحلق بك متجاوزا أسوار الذات المفتونة بنغم القصيدة المكتوبة بجرح الوطن إلى آفاق رحبة تنزاح فيها الحواجز العاطفية والجغرافية لتشركك في همومها القومية والانسانية، وعندما تنتهي من قراءة الديوان تخرج بفكرة واضحة وهي أن الشاعرة ، وفي أغلب قصائدها، راهنت على الشعر كأداة لتجاوز عزلتها وغربتها، وهذا ما سأعمل على الكشف عنه في هذه المقاربة، تبدو علاقة الشاعرة بالواقع مطبوعة بطابع الحزن، تشعرك قصائدها بأنها تحيا في اغتراب دائم ومستمر. هناك مؤشرات عدة تدل التي تشرنق الشاعرة، ولا تتردد بالبوح بجراحاتها. فالواقع المتعفن لا يمنحها ما تطمئن إليه: الاحساس بالأمان، والجمال، والدفء الإنساني، كل المحاولات التي تقوم بها الشاعرة لنشر قيم الحب والخير والفن تؤول إلى الفشل، ولكي تتغلب على عجزها فقد حولت تشاؤمها إلى رؤيا تكسر حدود الإحباط، وتقفز على أسوار الترهل الذي يطبع زمن الشاعرة، ووجدت ضالتها في القصيدة التي تبقى فتنتها وهاجسها، بهجتها وفرحتها الكبرى، عرسها الأبدي، شهوتها، هي من يمنحها معنى لكينونتها. إن الشعر عند مالكة عسال هو وطن النبوة والحكمة، لا يتكلم إلا اللغة السماوية المقدسة، هو صمام الأمان، والضمادة التي توقف نزيف جرح الروح، والخوف كل الخوف أن يضفئ الشعر جذوته ولا يتبقى من جمره غير الرماد. تقول:

أيها الشعر

تدفق في العمق 

واسكب اللهيب

واركب السؤال

ومزق الصمت

هكذا تصبح القصيدة عشبة الحياة، تنهض في أعماقها مزهوة مخضبة بالبهجة والأمل والفرح، إنها تمنحها الثقة في الذات والعزة في النفس والشعور بالتواجد كذات لها خصوصيتها ورؤيتها للعالم، ذات تعلن عن نفسها بكل جرأة وجدارة، وعلى الآخرين أن ينتبهوا إلى حضورها الفعال. إنها ترفض أن تعبر هذه الحياة بصمت وبلا ضجيج، كما يعبر الملايين، ترغب في أن تبوح، وتفجر صوتها، وكأني بها تقول: أنا أقول الشعر إذن أنا موجودة ومن قصيدة الحرف نقرأ:

الحرف شعلة بيضاء

تنير فضاءات الجواهل

فتحدث وميضا متراقصا

لتضمد الجراح

والفواجع تلين

يتحرك الحرف

لينبع من جلدها متألقا

يلملم القوى

يتوقد

فيحرق المنظور الخاسر

ومن ضوء الصباح

يحيك بسمة

                (الديوان ص 21(

في الوقت الذي تشعرنا فيه الشاعر بالعلاقة الوشيجة بينها وبين القصيدة، تفاجئنا في بعض النصوص باندهاشها ودهشتها أمام القصيدة التي تبقى كائنا زئبقيا، غامضا يستحيل التوغل في ردهاته وأدغاله، إنها تغير شكلها وصورتها باستمرار. وإذ تطاردها الشاعرة في محاولة لإمساك بحقيقتها الحاضرة الغائبة فإنها لا تمسك إلا بمادة هلامية لا جسد لها ولا ملامح، ولكن أحيانا تفجر القصيدة بهاءها وفتنتها، تفتح نبضها ويبوح بأسرارها ومباهجها، عارية تأتي وفاضحة، وأحيانا تفصح عن مكرها وعدائها، تشاكس وتعاند، تقسو لتسفز خلوة الشاعرة وعزلتها. تقول في قصيدة الشاعر والقصيدة

ماذا تكونين أيتها العنيدة

سراب

كلما دنوت منك تنأين

زئبق

إذا لمستك تنفلتين

برقة تلينين

فترهفين للبوح الإصغاء

تارة

كاللهب تثورين

تهاجمين خلوتي

من أنت أيها المألوسة

قولي..أجيبي

                   (الديوان ص (33. 

وحتى في اللحظات التي تقفز فيها الشاعرة على أسوار العواطف المحدودة إلى آفاق رحبة تعانق فيها هموم الوطن والبشر، فإن الهوس بالشعر لا يفارقها فتتلون علاقتها به بحجم إفرازات الواقع، فها هي تتأمل حالة الوطن، فلا ترى غير الرداءة، ولا تشتم سوى الروائح الكريهة التي تدل على موته وفنائه، إنه جثة متعفنة تثير التقزز والاشمئزاز، وحين تلوذ إلى القصيدة كعادتها لتتجاوز محنتها تكشف أن الفرس الذي راهنت عليه خاسر:

وما عسى الحرف يفعل

في هذا الزمن البارد

والوطن جثة

على كتف واد

                      (الديوان ص (55 

هذا التشكيك في قدرة الشعر على إحداث التغيير المنشود لإصلاح ما فسد من وضعيات وقيم، هو تشكيك نابع من الأسئلة التي تشغل الشاعرة منذ أن عرف الإنسان الشعر، نلمس هذا في قصيدة عطر الخريف:

من لي بأنامل

بمائها..تغسل نبوءتي

ليتدفق ما هو نائم

ينثر عطرا

وطن يميد في العراء

                          (الديوان ص. 75 (

من لي بحرف

يأتي بما وراء الجبال

من لي بقصيدة

تنزل القناع

عن لعبة

تلوك أغنية قديمة

(الديوان ص . 76 (

هناك عشق حقيقي لدى الشاعر للقصيدة، هي من يمنحها إمكانية ممارسة شغبها الجميل. ومعانقة الممكن والمستحيل، هي من يقربها إلى أبعد نقطة في أعماق النفس والروح، فبينها وبين الشاعرة أسرارومكاشفات أفصحت عن بعضها وما خفي أعظم. تقول في قصيدة الحرف:

أنت وحدك

لا تضيق بي

ولا أضيق بك

أشاطرك أسرك

تحت النبض

خلف الوميض

فوق الماء.

خلاصة:

لقد اختارت الشاعرة القصيدة الحاثية كوسيط لنقل تجربتها الشعرية المشحونة بهموم الذات والوطن والإنسانت، وسمحت هذه القصيدة للغة الشاعرة وصورها الفنية بالتحرك داخل الفضاء التخييلي بحركية ودينامية وسلاسة.

كما وظفت الشاعرة معجما يحبل بفيض لا يتوقف من الدلالات بظلاله المشعة والقاتمة تجتثها من وجع الروح وانقباض النفس، تغسلها بالشجى وتلبسها رداء منعطفات الوجد التالف بين بوابات ونوافذ وأسوار العواطف اليائسة والمشبعة بالأمل والبياض.

أما صورها الفنية، فهي فضاء قدسي للإعتراف والبوح بما يعتمل في الوجدان، ففيها تتعرى الشاعرة وتكشف عن خباياها وما يؤرقها، ففي صورها الشعرية تجدد الشاعرة الحياة، وتشرع الحلم على رؤى تتحرك بحركة الروح المفتونة بإيقاعات ورقصات القصيدة في صيرورتها اللامتناهية

المصطفى فرحات

 ماي 2005.

***********************************************************************************************

* نشر المقال في: جريدة بيان اليوم، السبت 25 يونيو 2005.

 

 

 

 

الجمعة، 27 مايو 2022

مقاربات نقدية" 20. الإشكاليات العامة للقصة القصيرة جدا*

        

سأحاول في هذه الورقة أن أقارب أهم الإشكاليات التي تطرحها القصة القصيرة جدا بنوع من التركيز مراعاة للحيثيات التي تحيط بهذه المشاركة، وتتمحور هذه المداخلة حول مجموعة من الإشكاليات موضوع النقاش حول هذا المولود الجديد وهي: إشكالية التسمية، إشكالية التصنيف، إشكالية النشأة والاستنبات، إشكالية التميز، إشكالية الغائية، إشكالية القراءة. وعموما فهذه المداخلة تروم طرح أسئلة أكثر مما تقدمه من أجوبة.

1. إشكالية التسمية:

التسمية الأكثر شيوعا وتداولا في الثقافة العربية هي القصة القصيرة جدا، إلا أننا عندما نبحث عن مترادفات لهذه التسمية بحسب الحقب الزمنية التي مرت منها، والأجيال المتعاقبة على كتابتها، والثقافات المختلفة التي أنتجتها أو تبنتها سنجد حوالي أحد عشر اسما:

1. قصص السندويش.

2. قصص راحة اليد.

3. قصص أوقات التدخين.

4. قصص ما بعد الحداثة.

5. قصص الومضات.

6. قصص الأربع دقائق.

7. القصص السريعة.

8. بورتريهات.

9. القصص القصيرة الشاعرية.

10. مشاهد قصصية.

11. قصص الباصات.

وباد أن هذه التسميات تنطلق من خلفيات محددة تعكس في مجملها تمثلات وتصورات من أطبقوا هذه التسميات لهذا الجنس الأدبي.

فتسميتها بقصص راحة اليد إشارة إلى الحيز المكاني الذي تشغله في بياض الورقة. وقصص أوقات التدخين تشير إلى أنها تصلح للتزجية الوقت لا أقل ولا أكثر، إنها أشبه بفنجان القهوة التي يرافق تدخيننا لسيجارة. القصص القصيرة الشاعرية تحيل إلى الأسلوب الذي تكتب بها والذي يقربها من تقنيات الكتابة الشعرية المتمثلة في التكثيف والإيحاء والترميز...

ويبقى السؤال: إذا كانت التسمية هي علامة على المسمى، فما هي التسمية التي تعبر أكثر على خصائص هذا الجنس الأدبي؟ وما المعيار الذي يجب اعتماده في عملية التحديد؟

فعندما ظهرت القصة كجنس أدبي حكائي خرج من رحم الرواية واجه النقاد إشكالية تحديد المعيار الذي يميز القصة عن الرواية، فوجده بعضهم في الكم، ومن تم اعتبر كل نص حكائي تقع كلماته ما بين 500 و 2000 نص قصصي. وبناء عليه، أطرح السؤال التالي: هل يمكن اعتماد معيار الكم لتمييز القصة القصيرة جدا عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى كالأقصوصة والقصة القصيرة؟ إضافة إلى معيار الكم، هل يمكن إضافة معيار الزمن من خلال احتساب المدة الزمنية التي تستغرق في القراءة؟

2. إشكالية التصنيف. 

     كل من تعامل مع القصة القصيرة جدا، كاتبا أو قارئا، سيلاحظ أنه من الصعب تجنيسها، إنها في نقطة تقاطع مع أجناس أدبية متنوعة مما يصعب مهمة الناقد، هي إذا في نقطة تقاطع مع أجناس أدبية متنوعة: القصة، الأقصوصة، القصة القصيرة، قصيدة النثر، قصيدة الومضة، قصيدة الشذرة...

فلننطلق من هذه التسمية الشهيرة القصة القصيرة جدا لنطرح جملة من الأسئلة، أو تساؤلات بإمكانها أن تدفعنا إلى التفكير بعمق في هذا الجنس الأدبي وتلمس السبل الكفيلة بإضاءة غوامضه وعتماته مثل:

1. هل هذا الجنس الأدبي له من المشروعية ما يكفي لكي يوصف بالقصة إذا أخذنا بعين الاعتبار المحددات الأساسية لفن القص عموما؟

2. ما مدى حضور كل عنصر من عناصر مقومات القصة المعروفة والمحددة من قبل النقاد، وهل أضافت شيئا جديدا إلى هذه المقومات؟

3. صحيح أن هذا الجنس الأدبي جاء ليتجاوز أنماط الحكي المعروفة في أفق خلق نمط جديد من الحكي، لكن هل يحق له أن يستعير تسمية قديمة يحملها جنس أدبي هو "القصة" أم عليه ـ ما دام يطمح أن يتجاوز المكونات التي ينهض بها هذا الفن ـ أن يجد اسما آخر يحدد بها هويته حتى ينال استقلاله؟

وإذ يبتعد هذا الجنس الأدبي نوعا ما عن فن القصة بمفهومها وشكلها ومحتواها وأسلوبها التقليدي فهو يقترب أكثر من الشعر، وبالضبط من قصيدة النثر مما وضع النقاد والقراء على السواء أمام سؤال آخر مركزي:

ما الذي أقرأه؟ أهو نثر أم شعر أم حكاية أو نبأ...وبالتالي ألا يمكن استخلاص ما مؤداه أن هذا الجنس الأدبي جنس هجين بلا هوية.  (أنبه ها هنا إلى أن الناقد الفرنسي كان من المتحمسين لإلغاء الحدود بين الأجناس الأدبية، وسمى هذا الجنس الأدبي ب"الكتابة".)

3. إشكالية النشأة والاستنبات

أطرح هذه الإشكالية في سياق البحث عن أصول وجذور القصة القصيرة جدا، حيث تضاربت الآراء حول هذا الموضوع.

1. موقف يرى أن أوربا هي موطنها الأصلي مع ناتالي ساروت.

2. موقف يرى أن موطنها الأصلي هو أمريكا اللاتينية.

3. موقف يرى بأن هذا النوع من الكتابة نجد له أصولا في الثقافة العربية متمثلة في الأخبار والحكايات والألغاز والنوادر والأمثال..

كما شمل الاختلاف التاريخ الذي دخل فيه هذا الجنس الأدبي للثقافة العربية:

1. رأي يقول بداية السبعينات أو الربع الأول من السبعينات.

2 الثاني يحدده في بداية الثمانينات.

3. الثالث يرى أن هذا الجنس الأدبي لم تتضح ملامحه إلا في نهاية التسعينات.

إن اختلاف الآراء هذه تثير جملة من الأسئلة من نوع:

1. ما الفائدة التي يمكن أن نجنيها من هذا الجدال حول النشأة والاستنبات أم علينا أن وجه انتباهنا إلى مواضع أكثر أهمية وإثارة؟ من نوع:

1. كيف ـ إذا افترضنا جدلا أن هذا الجنس الأدبي دخيل على ثقافتنا العربية ـ أن نستنبته، ونعطيه هويته العربية عامة والمغربية خاصة؟

2. ما هي الآليات التي بها سيتحقق هذا الهدف لكي نجعله فنا شعبويا حتى لا يبقى حبيس نواد أو رهن لدى فئة متخصصة محددة؟

4. إشكالية التميز

إن الذين يرون في القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا قائما بذاته لا يملكون من تقديم وصفات جاهزة للمبتدئين الراغبين في اقتحام مغامرة الكتابة، ومن يقرأ هذه الوصفات يحار في أمر هؤلاء الذين تعبوا في جمعها أولا، ثم عندما يتأملها يخلص إلى نتيجة واحدة وهي إن هذا الجنس الأدبي على قصره فن ليس متاحا إلا لفئة محدودة من صنف العباقرة، وبدل أن يشجعوا الأجيال المبتدئة فهم يرهبونهم بمصطلحات وعبارات قوية في صياغتها لكن عندما تُساؤل دلالاتها فإنك لا تعثر على شيء. ومن بين هذه الوصايا التي سأحاول أن أبدي ملاحظات حولها في سياق استعراضها:

1. يجب أن تبتدئ وتنتهي في زمن قصير (لا أفهم ماذا يعني هنا بالفعل "تبتدئ" هل يعني فعل الكتابة، أم فعل التخييل والبحث عن الفكرة، أم لحظة التأمل...).

2. يجب أن تصور موقفا أو حالة سريعة جدا (لا حظوا معي استعمال فعل "يجب" وكأن الأمر هنا على وجه الإلزام).

3. الحدث يكون آنيا حاضرا ومكثفا.

4. الزمن زمنين: ماض وحاضر (يؤكد على أن الزمن في هذا الجنس الأدبي ليس ثنائي أو ثلاثي الأبعاد).

5. الجمل قصيرة وذات وقع ساحر.

6. إحلال الفعل محل الوصف (الفعل المضارع يُبقى الفعل حيا، على عكس الوصف الذي يوقف الحركة).

7. الخيط اللغوي موحي وقصير. (لا أفهم ماذا يعني بالخيط اللغوي هل هو نسيج القصة، أو الحبكة، أم شيء آخر).

8. السخرية. (لم لا نظيف الاستهزاء وحالات نفسية كثيرة).

9. الجملة الضربة، توظف لوصف المكان والشخصية (لا أفهم ما المقصود بالضربة مع العلم إن هذا الإصلاح مأخوذ من الفنون التشكيلية).

10. النهايات المدهشة.

11. اللغة الإستعارية التي تعتمد الإيجاز والترميز والإيحاء والحذف البلاغي (أول مرة أسمع هذا المصطلح البلاغي "الحذف البلاغي؟" ولا أدري ما المقصود منه تحديدا والهدف منه..مع العلم أنه ذكر الإيجاز).

12. إيقاعات متعددو في عبارات محدودة، التشذيب والتركيب الاقتصاد والبنية الدقيقة المعمقة.

13. خلخلة التركيب والمعنى.

14. تدمير الآلة المنطقية. (في هذه الحالة سيكون المنون أكثر إبداعا، وسنخلق عالما من الفوضى)

15. الخروج عن معايير التغطية البصرية المألوفة.

16. تخريب الانسجام الإبداعي (وهل هناك جمال بلا انسجام حتى وإن تعلق الأمر بتصوير أشياء غير جميلة).

17. الاتكاء على الحلم والكابوس (ربما قصد التعويل على اللاشعور).

18. التكثيف والمكاشفة.

19. استثمار التقنيات السينمائية.

20. تداخل الوحدات الثلاث للزمن وتشابكها على نحو خاص يفضي إلى رؤية معينة (نلاحظ أن هناك من يرى الزمن في بعدين ومن يره في ثلاثة أبعاد).

21. القصصية، الجرأة، وحدة الفكر والموضوع وخصوصية اللغة..

هذا الذي استعرضته غيض من فيض، والكثير مما ورد في هذه الوصفات غامض الدلالة ومبهم ويحتاج إلى المزيد من الشرح والتوضيح حتى يتحقق المراد، ثم لنتساءل:

1. أليست هذه نصائح عامة لا تتعلق فقط بالقصة القصيرة جدا بل تشمل كل الأجناس والأنواع الأدبية؟

2. من أين استُقيت هذه المبادئ؟ أليست حاضرة في الأدب والسينما والمسرح والفن التشكيلي؟ إنها مبادئ عامة لا تخص أي فن من الفنون في الوقت الذي نحتاج فيه إلى مبادئ مستخلصة من الجنس الأدبي نفسه موضوع الدراسة.

5. إشكالية الغائية 

في قراءتي لبعض تصريحات كتاب هذا الجنس الأدبي خرجت بمجموعة من التساؤلات سأطرحها بعد أن أستعرض بعض الأسباب والدوافع التي حدت ببعض المبدعين للكتابة في القصة القصيرة، وكذلك الأهداف التي يطمحون إلى تحقيقها، والرسائل التي يسعون إلى توجيهها لقرائهم ومجتمعهم، معلقا على بعضها كلما سنحت الفرصة:

1. هي داء ودواء (عبارة غامضة ومبهمة، حالة لا تُستقبل ـ في رأي ـ بمستعجلات النقد).

2. القبض على لحظات منفلتة شديدة التعقيد والكثافة الشاعرية.

3. اختبار طاقات هذا الجنس.

4. لأكتشف ذاتي وذوات الآخرين.

5. لأبرهن لنفسي أني أستمر في رصد  تحولات الواقع.

6. لأن وقت كتابتها لا يستغرق سوى لحظات.

7. لربط علاقات.

8. تحدي الفناء ومواجهة الموت.

9. الكون بات قرية صغيرة.

10. مواجهة المستجدات والمتغيرات.

11. الرواية، القصة القصيرة، الشعر، المسرح، تعاني من خلل مرحلي، وعندما تسأل هذا الشخص: كيف؟ يجيبك: ظهور كتل شحمية.

الطابع العام الذي يغلب على هذه التصريحات هي تمحورها حول الذات، وكأن المجتمع الذي نعيش فيه غير موجود بتاتا، وكأن القضايا الكبرى للأمة تتضاءل أمام النرجسية، وهذا يقدونا إلى طرح الأسئلة التالية:

1. ما قيمة هذا الجنس الأدبي إذا كان لا يعبر إلا على ذات صاحبه؟ سيكون أشبه بالدواء الذي يكتبه الطبيب حسب حالة كل مريض، وليس كالخبز الذي هو طعام الجميع؟

2. قد يكون هلوسة ذات مريضة تحاول أن تعبر على نفسها، ليس لتبحث عن ترياق وإنما لتعادي الآخرين بدائها. 

6. إشكالية القراءة 

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:

1. هل نقرأ القصة القصيرة جدا بأدوات السرد؟

2. هل نقرأها بأدوات الشعر؟

3. هل نقرأها بهما معا؟

4. هل علينا أن نستنبط منهجا يلاءم طبيعة وخصوصية هذا الجنس الأدبي، منهج يتشكل من خلال تراكم نقدي مواكب له مع العلم بأن النقاد الذين يواكبون تجارب المبدعين في هذا المجال قلة، ومعظم كتاباتهم تنحوا في الاتجاهات التالية؟

1. التأكيد على استقلال القصة القصيرة جدا عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى.

2. الدفاع عنها بشكل شوفيني ولو اقتضى الأمر استعمال المغالطات.

3. تتبع ما ينتج من مجاميع قصصية بقراءات سريعة ومتسرعة. (ما يمكن تسميته بالنقد الصحفي الذي يتميز بالسطحية، أو النقد الإخواني، أو النقد الترويجي الإعلامي).

ولعل المثير في قضية القراءة تتمثل في طبيعة العلاقة القائمة بين الناقد والمبدع والمتمثلة في ضرورة إنصات المبدع لصوت الناقد المتمكن من أدواته النقدية، فنحن نعلم جيدا ما للناقد من وظيفة في اكتشاف مواطن الجمال والقبح في النصوص الإبداعية، ومكامن الخطأ والطواب، فهو القادر على التمييز بين الغث من النصوص والجيد منها، وبالتالي فليس فقط قارئا يقوم بدور الترويج للإبداع والإشهار للمبدع، بل له وظيفة الأستاذ الموجه والمرشد، فالإبداع والنقد عمليتان متكاملتان تسعيان في آخر المطاف وتهدفان إلى خدمة الأدب الراقي..

آمل من خلال هذه المداخلة التي طرحت فيها أسئلة أكثر مما أجبت عنها أن تكون مفيدة، وتفتح باب النقاش حول الإشكاليات التي طرحها هذا الجنس الأدبي المسمى: القصة القصيرة جدا.

 

المصطفى فرحات

 يونيو 2010.

...................................................................................................................................

* مداخلة ألقيت بدار الشباب بوشنتوف بالدار البيضاء يوم السبت 26 مايو 2010. بمناسبة اللقاء الذي نظمته الجمعية المغربية للغويين والمبدعين حول القصة القصيرة جدا.

 

 

 

حالة الطقس في مراكش

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة الكائن السمخي أولا: "الكتابة السمخية" 14. الكتابة السمخية والنكاح. الجزء الثالث: النكاح في الثقافة الإسلامية

1. أشهر مؤلفات الفقهاء في النكاح فطن رجال الدين لأهمية الحياة الجنسية عند الإنسان المسلم، فكتبوا العديد من الكتب تتعلق بالجنس تنقل لنا خبرات...